تلوح إفلاسات الشركات كتهديد رئيسي بالنظر إلى مدى توغل فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19” عبر الاقتصاد.
وهذا ما يحدث عندما تفشل شركة في دفع فواتيرها وتضعف الصحة المالية لشركة أخرى التي بدورها تضعف جدوى استمرار غيرها وهكذا، مما يتسبب في تفاعل تسلسلي.
وتعد الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الوباء الحالي، أكثر انتشارا مما كانت أثناء أزمة 2008 و2009. وهذه المرة الشركات المعرضة لأكبر خطر لا تقتصر على القطاع المالي.
ولتقليص تلك المخاطر، تحتاج الدول لسياسة “أكثر ترابطا من أن تفشل” لتقديم السيولة للشركات التي سيكون لإفلاسها آثار تتردد عبر القطاع الأوسع.
وهو ما يعادل في الاقتصاد الحقيقي استراتيجية أكبر من أن تفشل في الأزمة المالية السابقة.
ولمواجهة سلاسل الإفلاس المحتملة أمام صناع السياسة أربعة خيارات:
الأول.. يمكن أن تحسن الحكومات التدفقات النقدية للشركات من خلال تعزيز الطلب على منتجاتها، وكذلك تقديم دخل إضافي للعمالة المرحلة من مكان لآخر، وهذا النهج يتم تطبيقه بالفعل على نطاق واسع، ولكن هذا النهج لأسباب كثيرة – مثل أن الشركات لا يمكنها ببساطة مواصلة أعمالها في ظل تدابير التباعد الإجتماعي- لن يكون كافيا لمنع مخاطر إفلاس الكثير من الشركات.
والثاني.. أن تسمح الحكومات بحدوث موجة هائلة من الإفلاسات، ولكن مع استمرار الشركات بالعمل رغم إفلاسها، ولكن ليس من الواضح إذا كان نظام الإفلاس يمكنه التعامل مع هذا الكم من طلبات الإفلاس.
ومعروف أن الإفلاس أكثر إيلاما مما يوحي به أنصار هذه الفكرة، فأصحاب الشركات ودائنيها يعانون كما هو متوقع، ولكن كذلك العمال.
وتشير الدلائل إلى أنه في الأعوام السبعة التالية لأي إفلاس، تتراجع أجور العمال السنوية بأكثر من الثلثين عن القيمة الحالية، وبنسبة 10% في عام الإفلاس وحده. وبالتالي فإن أي اقتصاد سيعاني من إعلان نسبة كبيرة من شركاته للإفلاس، سيكون بمثابة منطقة كارثية لسنوات قادمة.
والخيار الثالث.. يمكن أن يحاول صناع السياسة تقليل حالات الإفلاس إلى الحد الأدنى بين الشركات الأكثر تأثيرا في حياة الناس والتي يكون لها معنى رمزيا، وهذه الإغاثة الموجهة التي تقدمها الولايات المتحدة والحكومات الأخرى للشركات الصغيرة والمتوسطة تعكس هذا الاتجاه. فمتاجر “مام آند بوب” دمرت من فقدان الإيرادات، ومن غير الصعب استيعاب لماذا يعتقد الكثير من الأشخاص أنها تستحق مساعدة؟
أما الخيار الأخير والذي لم تركز عليه الحكومات بما يكفي، هو أن تستهدف الحكومات الشركات التي سيؤدي إفلاسها إلى أكبر رد فعلي تسلسلي، أي إفلاس شركات أخرى والتي هي أكبر ارتباطا من أن تفشل، وهذه الشركات تتضمن تلك التي تقع في قلب سلاسل التوريد شديدة التكامل.
وربما لا تكون لدى الحكومة المعلومات الكافية لتقييم هذه الارتباطات تقييما صحيحا، ولكن علوم الشبكات باستخدام البيانات التي تقدمها الصناعات المترابطة، يمكن أن تساعد في تحديد الشركات الأكثر ترابطا والتي تكون عادة – ولكن ليس دائما – الشركات الأكبر في القطاع.
وحتما سينتهي بنا الأمر مستخدمين خليطا من الخيارات الأربعة. ولكن ينبغي أن ندرك أن هناك بعض التعارض بينها خصوصا فيما يتعلق بالشركات ذات المعنى الرمزي، والتي قد لا يؤدي إفلاسها إلى رد فعل تسلسلي، كما أن بعض الشركات الأكثر ترابطا قد لا يكون لها نفس التأثير الرمزي .
ويتعين على صناع السياسة وهم يفكرون في خطواتهم المقبلة أن يعترفوا بأنهم حتى الآن لم يفعلوا الكثير لمواجهة مخاطر الإفلاسات المتسلسلة.
ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، فإن معظم الـ454 مليار دولار المقدمة بموجب قانون الأمن الاقتصادي والإغاثة والمساعدة لمواجهة كورونا لضخ السيولة في الشركات لم يتم تحديد كيفية توزيعه بعد، وبالتالي يمكن لهذا التمويل الإضافي أن يذهب إلى آلية أكثر ترابطا من أن تفشل والتي سيتم من خلالها تحديد معايير تخصيص المساعدة على أن تقوم على أداء الشركات المركزية وسط شبكات الإنتاج وأهميتها المالية لاستمرار بقية الشركات المرتبطة بها وعلى اهمية هذه الشبكات للاقتصاد ككل.
وأقول إنه لا يزال بإمكاننا تجنب الإفلاسات المتسلسلة، ولكن الوقت يداهمنا.
بقلم: بيتر آر أورسيزاج، كاتب مقالات رأي لدى “بلومبرج” والمدير التنفيذي لشركة “لازارد” للاستشارات المالية.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”.