تحولت أسعار البترول الخام الأمريكى إلى سلبى للمرة الأولى فى التاريخ يوم الاثنين، مما أرسل موجات صادمة إلى قطاع الطاقة العالمى.. ولكن ما هى الأسعار السلبية وماذا تعنى بالنسبة للصناعة الأوسع نطاقا؟
ماذا حدث؟
تراجعت أسعار البترول الأمريكى إلى ما دون صفر دولار للبرميل للمرة الأولى على الإطلاق، مما يعنى أن المنتجين أو التجار كانوا يدفعون بشكل أساسى للمشاركين الآخرين فى السوق للتخلص من البترول.
وقالت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية إن هذا الانخفاض يعتبر العلامة الأوضح حتى الآن على أن جائحة انتشار فيروس كورونا المميت، التى خفضت الطلب على البترول بما يصل إلى الثلث فى العالم بأسره، قلبت سوق البترول الأمريكى رأسا على عقب.
جاء انهيار الأسعار فى ظل اقتراب انتهاء صلاحية العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط لشهر مايو، وهو الشهر الذى تأثر فيه الطلب بعمليات الإغلاق ومن المتوقع أن تصل فيه القيود المفروضة على الرحلات الجوية إلى الذروة، حيث تحتاج تلك العقود الآجلة، التى يتم تداولها فى بورصة نيويورك التجارية التابعة لمجموعة «سى.إم.إي»، إلى تسويتها بشكل شهرى مع التسليم الفعلى للبترول الخام، مما يوفر ارتباطا حقيقيا بأحد أكثر المشتقات تداولا فى العالم.
عادة ما يحدث ذلك الأمر بشكل شهرى دون أى مشاكل أو أحداث درامية، ولكن يوم الاثنين كان مختلفا.
ويعتقد المحللون أن الافتقار إلى قدرة تخزينية متاحة فى نقطة تسليم عقود خام غرب تكساس الوسيط فى مدينة كوشينج بولاية أوكلاهوما الأمريكية آثار الذعر بين المتداولين، ممن يمتلكون عقود المشتقات، الذين وجدوا أنفسهم دون مكان قادر على استيعاب مخزون البترول.
وقالت آن لويز هيتل، من شركة «وود ماكينزي» الأمريكية للاستشارات، إن المبيعات ارتفعت بشكل كبير فى ظل عدم وجود مساحة تخزينية مناسبة فى كوشينج لأولئك الذين يحتاجون إليها.
وأوضحت أن هذه المشكلة هى الأكثر حدة بالنسبة لعقود خام غرب تكساس الوسيط لشهر مايو نظرا لوصول الطلب على البترول إلى أضعف مستوياته، مع وجود تدابير احتواء كاملة لفيروس كورونا فى معظم أنحاء الولايات المتحدة، متوقعة أن يكون التخزين فى منشأة أوكلاهوما ممتلئا فى غضون أسابيع.
ما الذى سيحدث فى القطاع؟
من المؤكد أن الانهيار غير المسبوق فى الأسعار سيسفر عن ظهور العديد من الضحايا، الذين يتراوحون بين التجار الذين يمتلكون عقود فقدت نحو 60 دولارا للبرميل فى يوم واحد إلى المديرين التنفيذيين الأمريكيين الذين كانوا يشيدون قبل بضعة أيام بصفقة الدول المصدرة للبترول «أوبك»، التى كان من المفترض أن تضع حدا أدنى لأسعار البترول.
وأشارت الصحيفة إلى أن تداول أسعار البترول بأقل من صفر دولار للبرميل ستؤثر سلبا على العلامة التجارية للسلعة باعتبارها استثماراً آمناً، خاصة بين المستثمرين الأفراد، كما أن مصدر القلق الأكبر للقطاع يتمثل فى عدم التوازن الهائل فى العرض والطلب الأمريكيين الكامن وراء الانهيار السريع فى الأسعار يوم الاثنين الماضى.
ويقول المحللون إنه مع انتشار عمليات الإغلاق الناتجة عن فيروس كورونا وارتفاع معدلات البطالة، أصبحت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التى تنتج ما يزيد على احتياطات مصافى التكرير التى تعانى من تباطؤ، كما أنها تفتقر إلى مساحة تخزينية متاحة للتعامل مع هذا الفائض، لذا يجب زيادة الاستهلاك وإغلاق حقول البترول فى وقت أقرب أو إيجاد سعة تخزينية جديدة بشكل أسرع.
ولحين إصلاح الخلل، ستظل الأسعار منخفضة ومتقلبة، مما يعيق القطاع ويفرض المزيد من الضغط على المنتجين، كما أن تهاوى العقود الآجلة لشهر مايو يعتبر دليلاً سيئاً على سوق مضطربة للغاية.
ما هو رد فعل الجهات الفاعلة الرئيسية؟
يعتبر انخفاض أسعار البترول إلى ما دون صفر أمرا محرجا بالنسبة للسعودية وروسيا، اللتين اتفقتا قبل أكثر من أسبوع على إجراء أكبر تخفيضات منسقة للإمدادات على الإطلاق، وبالنسبة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب أيضا، الذى دفعهما لإبرام تلك الصفقة.
وكان ضعف هؤلاء فى مواجهة انهيار الطلب واضحا بشكل كبير فى تهاوى الأسعار غير المسبوق يوم الاثنين، فعلى الرغم من أن مندوبى أوبك يغذون الشائعات حول إمكانية إجراء تخفيضات أعمق وأكثر سرعة وعقد المزيد من المحادثات بين الدول المنتجة بقيادة السعودية وروسيا، إلا أنه من غير المرجح أن تقدم تلك الشائعات أى مساعدة.
حتى مضاعفة تخفيضات الإمدادات التابعة لأوبك، التى من المقرر أن تبدأ فى مايو، لن تقدم أى عون لتعزيز السعة التخزينية فى منشآت كوشينج فى الوقت الراهن.
ومع ذلك، تمتلك الحكومة الأمريكية بعض الإجراءات التى قد تتخذها الآن، بما فى ذلك الحث على إجراء تخفيضات أكبر من تلك التى أقرتها أوبك والتعريفات الجمركية على واردات البترول الأجنبية وتفريغ المزيد من السعة التخزينية ودفع المنتجين لإبقاء البترول فى الأرض دون استخراج أو تقديم الدعم المالى لشركات البترول.
وتجدر الإشارة إلى أن كافة هذه الإجراءات خضعت لمناقشات كبيرة على مستويات مختلفة فى الحكومة الأمريكية.
وفى تكساس، ربما يؤدى انهيار الأسعار إلى تغيير النقاش الأخير لصالح اقتراح فرض قيود على الإنتاج لدى الشركات العاملة فى الولاية الأمريكية، فقد عُقدت جلسة استماع حول هذه الفكرة الأسبوع الماضى وستحكم لجنة فى هذا الأمر.
هل هذا هو القاع؟
كان من المتوقع أن يعانى عقد خام غرب تكساس الوسيط لشهر مايو، حيث يتلقى الطلب أكبر ضرر ناتج عن إجراءات الإغلاق التى تشهدها كافة أنحاء الولايات المتحدة، كما أنه يتزامن مع فيض من الإمداد وخزانات التخزين فى كوشينج المقرر ملؤها، ولكن الأسابيع المقبلة ستشهد بقاء مساحات من البلاد تحت قيود السفر.
ويتوقع انخفاض الإنتاج المحلى فى النهاية بشكل حاد، ربما بأكثر من %10، ولكن ربما لا يحدث ذلك فى وقت قريب بما فيه الكفاية حيث يتحمل المنتجون حرب استنزاف.
وتراقب الصناعة أيضا تأثير الضربة القاضية على درجات البترول الخام المرتبطة بخام غرب تكساس الوسيط، حيث يُستخدم العقد القياسى لمساعدة أسعار البراميل فى كل أنحاء المنطقة، بما فى ذلك البترول القادم من كندا والمكسيك وغيرها من الخام الأمريكى الإقليمى.