هناك لمحة من الاستهتار في الانخراط في نوبة شراء في الوقت الذي تعيش فيه بالفعل فوق إمكانياتك، وربما هذه ليست هذه أفضل طريقة لإقناع دائنيك بأن يقدموا لك المزيد من الأموال.
لذا ربما يتعين على السعودية التفكير في ذلك الأمر بعد إنفاقها السخي مؤخرا على شركات البترول والسفن السياحية وكرة القدم، ففي الشهر الماضي، اشترى صندوق الثروة السيادي للمملكة أو ارتبط بخطط شراء حصة بنسبة 8.2% في شركة تشغيل السفن السياحية “كارنيفال كورب”، وحوالي 80% من نادي كرة القدم “نيوكاسل يونايتد”، بجانب حصص في “رويال داتش شل”، و”توتال” و”إيني” و”إكوينور”.
ومن المثير للقلق أن البند الوحيد المعقول في قائمة التسوق تلك قد يكون البند الثالث عشر وهو الاستثمار في نادي كرة القدم الانجليزي، فعلى سبيل المثال، انخفضت أسهم شركة “كارنيفال” بحوالي الثلث منذ أن أستكمل صندوق الاستثمار السعودي استحواذه على حصة في الشركة الشهر الماضي.
ولا يتعين على دولة شديدة التعرض لأسعار البترول مثل السعودية أن تستخدم أموال الصندوق السيادي لشراء المزيد من البترول كذلك، ونصحت حكومة النرويج، صاحبة حصة مسيطرة في “اكوينور”، صندوق معاشاتها ببيع جميع استثماراته في البترول والغاز لكي تجعل صندوق الحكومة السيادي أقل تعرضا للتراجع الدائم في أسعار البترول، ولكن السعودية تقوم بالعكس تماما.
حتى محاولات صندوق الثروة السيادية السعودي المتبصرة لتنويع استثماراته في الشركات البعيدة عن الطلب على البترول لم تسير على نحو جيد، فالاستثمار في “أوبر تكنولوجيز” بقيمة 3.5 مليار دولار قبل طرحها يساوي 2 مليار دولار الآن، وفقدت حصته بنسبة 38% في شركة الهندسة والإنشاءات الكورية الجنوبية “بوسكو” أكثر من ثلثي قيمتها منذ أن اشتراها في 2015، كما باعت المملكة حصتها في “تيسلا” قبل ارتفاعها الاستثنائي في بداية العام.
ومنذ قديم الزمن يعرف الورثة الاغنياء أن مجموعة من المشروعات الفاشلة لا تعني بالضرورة تغيير أسلوبك طالما أن التدفقات النقدية مستمرة ولكن المشكلة بالنسبة للسعودية تكمن في أن أيام التدفقات تنفد سريعا.
وفي عام 2014، جعلت سنوات الأرباح الكبيرة من الخام الحكومة تجلس على صافي أصول تعادل 47% من الناتج المحلي الإجمالي، ومنذ ذلك الحين، تسببت الأسعار المنخفضة والإنفاق غير المنضبط في تآكل الأصول بسرعة مذهلة، وسوف يصل صافي الديون إلى 19% من الناتج المحلي الإجمالي العام الجاري وفقا لصندوق النقد الدولي، قبل أن يرتفع إلى 27% العام المقبل، بينما قد تتسبب تدابير مكافحة كورونا والحرب السعرية في دفع إجمالي الإقتراض إلى 50% من الناتج بحلول 2022.
ولا تزال تلك النسب متواضعة مقارنة بالدول الغنية ولكن لا يوجد أحد خاضع لسعر سلعة واحدة بقدر ما تخضع السعودية للبترول كما أوضح زميلي ليام دينينج في مقال له، وفي حال لم تطبق الحكومات تخفيضات استثنائية في الموازنة أو ترتفع أسعار البترول لمستويات 2008، فإن المملكة سوف تبقى صافي مستدين في المستقبل القريب.
ويبدو أن البنوك بدأت تلاحظ، وارتفعت مبادلات التعثر التي تؤمن الديون السعودية حاليا إلى حوالي 179 نقطة أساس بفضل الفزع السوقي الناتج عن كورونا والتأثيرات المحتملة لحرب الأسعار، وهو ما يضع الدولة في صفوف الهند واندونيسيا ورسيا فيما يتعلق بتصورات المخاطر الائتمانية وأسوا بكثير من أسبانيا والبرتغال وأيرلندا وايسلندا.
ولا تزال سندات المملكة المستحقة في النصف الثاني من 2030 تقدم عائدا معقولا بنسبة 3.43%، ولذلك تبدو الأمور على ما يرام في الوقت الحالي، ولكن كلما استمر التراجع في أسعار البترول فإن الاحوال ستتدهور سريعا خاصة إذا بدأ التدهور السريع في الاحتياطيات الأجنبية للمملكة في وضع ضغوط على ارتباط الريال بالدولار.
ورغم نوبة الشراء من قبل صندوق الثروة السيادي، هناك علامات على أن الرياض تعي قدر التدهور في أوضاعها، ويعد الإعلان عن وقف الحرب الدامية في اليمن المستمرة منذ خمس سنوات خطوة مرحب بها لأسباب إنسانية ولكن أيضا ضرورية على المستوى البراجماتي، فالإنفاق العسكري السعودي هو الثالث بعد الولايات المتحدة والصين ويصل إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتُعزى خطوة وقف إطلاق النار إلى تاثير كوفيد 19، ولكن من الصعب عدم ملاحظة التراجع في الإنفاق العسكري العام الجاري والذي هبط إلى أدنى مستوى في عقد، وهذه الرغبة في خفض التكاليف مرحب بها، ولكن الدولة لا تزال تنفق الكثير على الأمن المحلي بما يصل إلى 28% من الموازنة، وفي دولة 40% من سكانها دون 25 عاما ربنا يتعين الإنفاق أكثر على الصحة والتعليم والأهداف الأخرى طويلة الأجل.
ويتعين على السعودية تحقيق أكبر قدر من الوفورات في الوقت الحالي في موازنتها البالغة تريليون ريال سعودي بدلا من عمليات الاستحواذ المتناثرة بالخارج، ولا تزال الرسالة واحدة يتعين على الرياض بدء التصرف في حدود إمكانياتها وبسرعة.
بقلم: ديفيد فيكلينج، كاتب مقالات رأي لدى “بلومبرج” يغطي السلع والشركات الصناعية والاستهلاكية.
إعداد: رحمة عبد العزيز. المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”.