“صندوق النقد” يتوقع انكماشا 5.3% مقارنة بـ 0.1% خلال الأزمة المالية العالمية
من المؤكد أن جائحة فيروس كورونا تتسبب في أزمة اقتصادية حادة، بجميع أنحاء العالم النامي، حتى في الدول التي وصل إليها الوباء بالكاد.
وتتعرض الاقتصادات أيضا، لضرر ناجم عن انهيار العائدات القادمة من البترول والسياحة، وخروج تدفقات رأس المال بشكل مفاجئ.
وفي هذا الصدد، تلقى صندوق النقد الدولي، الذي حذر من الركود الأكثر حدة منذ الثلاثينيات، طلبات للحصول على دعم طارئ من أكثر من 100 دولة، خصوصا أنه في الوقت الذي تضخ فيه الدول المتقدمة الأموال في اقتصاداتها المتدهورة والأنظمة الصحية الضعيفة، يفتقر عدد من أغنى الأسواق الناشئة إلى الموارد اللازمة للتصرف بنفس الطريقة.
وبالنسبة للبرازيل، يشكل الوباء ضربة مزدوجة. فقد كان اقتصادها محفوفا بالمخاطر، بالفعل.
فهو لم يتعاف بعد من الركود الحاد الذي شهده عام 2015-2016. كما أن مواردها المالية العامة كانت تحت ضغط شديد حتى قبل تفشي الوباء. وتصاعد الاستجابة المالية للانخفاض في الطلب سيخلق ضغطا أكبر.
بالإضافة إلى ذلك، تعاني البلاد من حكومة اتحادية مختلة وظيفيا، إذ يعارض الرئيس جايير بولسونارو، علنا، استراتيجية مكافحة الوباء التي اقترحها كثيرون في حكومته ومعهم كبار المشرعين ومعظم حكام الولايات، حتى بعض الذين كانوا حلفاء حتى وقت قريب.
وحذر الاقتصادي، ماركوس ليسبوا ، من أن الوباء ضرب الاقتصاد البرازيلي عندما كان أقل استعدادا، قائلا إن الأزمة حدثت عندما كانت البرازيل هشة للغاية بعد سنوات عديدة من النمو المنخفض، وفي ظل افتقار الحكومة للقدرة على اتخاذ إجراءات منسقة لمواجهة تفشي الفيروس، وبالتالي فإن غياب القيادة والتنسيق والسياسة العامة حول الأمر إلى فوضى.
وفي حين كانت الأزمة المالية العالمية حدثا بطيئا استغرق شهورا للانتشار في العديد من فئات الأصول، استغرق “كوفيد-19 ” أسابيع فقط للتأثير على دول منها البرازيل.
أوضحت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن الريال البرازيلي كان تحت الضغط بالفعل بداية العام، نتيجة ضعف وتيرة التعافي والانخفاض المطرد في أسعار الفائدة البرازيلية.
وفي ظل استيقاظ الأسواق العالمية على تهديد فيروس كورونا ، نهاية يناير الماضي، تحولت عمليات البيع المعتدلة في الواقع إلى موجة بيع، و فقدت العملة المحلية أكثر من ربع قيمتها بالدولار هذا العام. كما بدأ المستثمرون الأجانب في بيع الأسهم البرازيلية، ثم السندات بوتيرة متسارعة.
وفقدت الأسهم في بورصة ساو باولو، نحو نصف قيمتها بين نهاية فبراير ونهاية مارس، ولكنها تعافت نسبيا مؤخرا.
حتى الشركات الكبيرة وذات رأس المال الجيد، التي تتمتع باحتياطيات نقدية ضخمة مثل مجموعة البترول “بتروبراس” وشركة التعدين “فالي”، سجلت سنداتها طويلة الأجل بالعملات الأجنبية خسارة بين 30 إلى 40 سنتا مقابل الدولار، تحسبا لإعادة هيكلة ديون وشيكة أو التخلف عن السداد.
وفي الأسواق الناشئة، تخلص المستثمرون الأجانب من الأصول على نطاق لم يسبق له مثيل.
ووفقا لمعهد التمويل الدولي، عانت أسواق الأسهم والسندات في 21 اقتصادا من الاقتصادات الناشئة الكبيرة، من تدفقات خارجة عابرة للحدود بقيمة 95 مليار دولار في شهرين ونصف الشهر، بداية من 21 يناير الماضي، أي أكثر من أربعة أضعاف المبلغ في نفس الفترة بعد بداية الأزمة المالية العالمية.
وفي الوقت نفسه، خفضت وزارة الاقتصاد البرازيلية، الشهر الماضي، توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام من 2.1% إلى 0%. ولكن صندوق النقد الدولي يتوقع أسوأ بكثير، فهو يقدر إمكانية انكماش الاقتصاد البرازيلي بنسبة 5.3%، وهو أعمق من الانخفاض البالغ 3.5% في عام 2015 وأسوأ بكثير من الانكماش البالغ 0.1% في عام 2009 خلال الأزمة المالية.
وقد مرت البرازيل والاقتصادات الناشئة الكبرى الأخرى بالأزمة المالية العالمية دون التأذي نسبيا. ويرجع الفضل في ذلك بشكل كبير إلى تدابير التحفيز حول العالم، وخصوصا الصين التي امتصت صادرات السلع الأساسية من معظم العالم النامي.
وحتى قبل أزمة “كوفيد-19″، كانت الاقتصادات الناشئة الكبيرة تكافح لإعادة تسجيل مستويات النمو المسجلة في العقد الأول من القرن الـ 21، عندما تفوقت على الاقتصادات المتقدمة بهامش واسع.
وآثارت نهاية دورة السلع الأساسية، وتراجع العائدات على التجارة الدولية ، وتعطل سلاسل الإمداد الناتج عن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تساؤلات كبيرة حول ما إذا كان هناك أي شيء سيقود اقتصادات تلك الأسواق في المستقبل.
وقالت الخبيرة الاستراتيجية في شؤون الأسواق الناشئة لدى بنك “سوسيتيه جنرال” في لندن، فينيكس كالين : “لم تعد هناك محركات كبيرة لتعزيز نمو الأسواق الناشئة.. لذا فهذا السؤال صعب حقا”.
وأضافت: “مع خروجنا من هذه الأزمة، سيزال علينا الإجابة عن بعض الأسئلة، منها هل ستكون هناك موجة جديدة من الإصابات؟ وهل سيعود طلب المستهلكين إلى المستويات السابقة؟ وكم ستنتعش الطاقة الإنتاجية؟”
بالإضافة إلى ذلك، دخلت الاقتصادات الناشئة هذه الأزمة الجديدة في ظل ارتفاع مستويات الديون بشكل حاد. و أوضحت بيانات مؤسسة التمويل الدولية ارتفاع ديون أكبر 30 سوق ناشئ من 28 تريليون دولار إلى 71 تريليون دولار، أو من 168% إلى 220% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العقد المنتهي في عام 2019.
وارتفعت الديون الحكومية بقوة في بعض الاقتصادات، من 65% إلى 89% من الناتج المحلي الإجمالي في البرازيل في العقد الماضي، وتضاعفت في جنوب أفريقيا من 32% إلى 64% من الناتج المحلي الإجمالي.
ولكن مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع مقدار الديون استجابة لأزمة كورونا، من المرجح أن ترتفع هذه النسب. و يقول معهد التمويل الدولي إن ديون حكومة جنوب أفريقيا قد ترتفع قريبا إلى 95% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي البرازيل، يمكن ملاحظة أن قطاع الشركات ككل يفتقر إلى احتياطي نقدي، رغم أن الشركات الكبرى ربما تتمتع بتلك الاحتياطيات، ولكن بشكل عام تبلغ نسبة الدين قصير الأجل إلى النقد بين الشركات البرازيلية 66%- وفقا لتحليل معهد التمويل الدولي- وهو واحد من أعلى المستويات بين الاقتصادات الناشئة الكبيرة.