أصبح من الواضح بالفعل أن التأثير المبدئي للأزمة الاقتصادية الناتجة عن فيروس “كورونا” هو تأثير انكماشي قوي، وتراجعت الأسعار بحدة في القطاعات التي تضررت بشدة من الإغلاقات بما في ذلك المطاعم والفنادق وخطوط الطيران والمنازل، وعلاوة على ذلك، شهد الأسبوع الماضي تراجعا استثنائيا لأسعار البترول في المنطقة السلبية.
وسيتراجع التضخم الأساسي الأمريكي بقدر كبير دون المستوى المستهدف للاحتياطي الفيدرالي عند 2%، في حين ستسجل منطقة اليورو واليابان تضخما سلبيا في غضون أشهر. ومع ذلك هذا بعيد كل البعد عن نهاية القصة.
ومع تراجع النشاط أسرع وبشكل أعمق من قرون عديدة، فإن التراجع المؤقت بنسبة 20% إلى 30% في مستوى الناتج الحقيقي في بعض الاقتصادات المتقدمة لن يكون مثيرا للدهشة. وقد يتطور نقص المعروض لدرجة قد تتسبب في النهاية في ارتفاع التضخم. وتزداد تلك الاحتمالية ، حال تدخل الحكومة لدعم الأجور في بعض القطاعات المغلقة بما يجعل الطلب الإجمالي عاليا نسبيا.
وربما تبدو المقارنة بين الوضع الحالي والاقتصادات في وقت الحرب مبالغا فيها، ولكن قد يكون هناك بعض أوجه الشبه مع الجدل السياسي البريطاني بشأن التضخم في الأشهر الأولى من الحرب العالمية الثانية.
وكتب الاقتصادي جون مينارد كينيز، كتيبا مؤثرا للغاية عام 1940 بعنوان “كيف تمول الحرب؟”
وفي ذلك الوقت، كان قد اشتهر بالفعل بإصراره على أن السياسة المالية التوسعية يجب أن تستخدم لإنهاء انكماش عقد الثلاثينيات بغض النظر عن التداعيات على الوضع المالي العام للدولة. ولكن الحرب غيرت رأيه بشان السياسة الاقتصادية الكلية المناسبة.
وجادل في كتيبه، على أن تجنيد الملايين في القوات المسلحة سيقلص معروض السلع الاستهلاكية في الوقت الذي سيؤدي فيه الإنفاق العسكري إلى زيادة الطلب الإجمالي بحدة، وهو ما سيخلق حتما طلبا مفرطا أو اقتصاد يعاني نقصا في المعروض.
وحذر كينيز، من أن التضخم سيرتفع بحدة إذا لم تتحرك الحكومة سريعا لزيادة الضرائب المباشرة على أكبر الدخول وفرض مخططات ادخار إحبارية على أغلب السكان.
وتم تطبيق خطط الضرائب والادخار في موازنة عام 1941 مع ترشيد استهلاك معظم المواد الاستهلاكية الرئيسية. وهذه الموازنة ساهمت في التحكم في التضخم إلى حد كبير في بقية فترة الحرب.
وأشار الاقتصادي روبرت سكيدلسكي، إلى أن قوى مشابهة قد تتكرر اليوم.
فحبس العمالة في المنازل يحد من توافر العمالة للعمل في الصناعات الاستهلاكية ، في حين سيؤدي دعم الحكومة للأجور، إلى الحفاظ على طلب إجمالي قوي، وفي الوقت نفسه قد تحاول الحكومة تحويل العمالة بشكل دائم من القطاعات الاستهلاكية إلى القطاع الصحي أو قطاعات الخدمات العامة.
ومع ذلك، فإن النطاق مختلف تماما.
فالاتفاق العسكري خلال الحرب، عزز الطلب الإجمالي بحوالي 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو حجم أكبر من أي زيادة محتملة في الإنفاق العام خلال السنوات المقبلة.
وسيكون سلوك العرض مقابل الطلب ذو اهمية كبيرة في عشرينات العقد الحالي. وقدر بحث هام أجرته الاقتصادية فيرونيكا جوريري وآخرون، أن الصدمات في المعروض ستؤدي إلى تراجعات أكبر في المعروض أكثر من الطلب.
وكما أكد كينيز، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع التضخم. ومع ذلك كان نموذج البحث أكثر صلة بالأحوال الحالية، من خلال افتراض ان الاقتصاد مكون من قطاعين اثنين مختلفين. ولكن قطاعا واحدا فقط هو ما يخضع لإغلاقات المعروض.
وفي مثل هذه الأحوال، عادة ما يقود غياب الخدمات والبضائع الاستهلاكية التي توفرها عادة الصناعات المغلقة إلى تراجع إجمالي في الطلب، وتجنب الاسر بعض الأموال التي لا تستطيع انفاقها في القطاعات الغائبة.
وعندما يحرم الناس من القدرة على الذهاب للمطاعم، فلا يشترون مزيدا من السيارات، وإنما بدلا من ذلك يدخرون الفرق.. وبالتالي يتراجع النشاط الاقتصادي الإجمالي.
وهذا لا يعني بالضرورة أن الإغلاق الاقتصادي سيؤدي حتما إلى تقلص الطلب أكثر من المعروض في اقتصاد الوباء، ولكنه يعني أن هذه النتيجة قد تحدث وأنها أيضا قد تستمر لوقت طويل.
وأخيرا، فستتحدث البيانات القادمة بصوت أعلى من النظريات، وبالفعل تراجع التضخم بحدة وسيتعين على الحكومات العمل بجد إذا أرادت تغيير ذلك.
بقلم: جافين دافيس، كاتب مقالات رأي بشأن الاقتصاد الكلي ورئيس مجلس إدارة شركة “فلكروم” لإدارة الأصول.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: فاينانشيال تايمز