توارت حالياً كل الكتابات عن أى موضوعات كان يتم تناولها كتابة وتحليلاً حتى وقت قريب، أما الآن فلا صوت يعلو فوق أحاديث الكورونا وبالقطع فما أهمية أى موضوع غير ذى صلة بتلك الجائحة التى قلبت الطاولة رأساً على عقب دونما ثمة إنذار.
لكن ولأن الاستغراق فى متابعة كل ما هو “كوفيدى” يزيد من حالة التوتر النفسى التى نمر بها جميعاً فأظن أنه ربما يكون إعادة تناول سابق موضوعاتنا وقضايانا من شأنة إعادة ضبط تلك الأوتار المشدودة على مدار الساعة.
لذا آثرت تناول موضوع أصبح منذ عدة سنوات قريبة له حيز معتبر فى المشهد المصرى ثم أصبح فى آخر عامين يحتل قدراً من الاهتمام عن ذى قبل وهو موضوع الدعم والدفع بتمثيل المرأة المصرية فى عضوية مجالس إدارات الشركات العاملة فى جمهورية مصر العربية وذلك عقب صدور الاستراتيجية الوطنية لتمكين الدولة المصرية 2030 التى أعلنها السيد رئيس الجمهورية عام 2017.
بداية، فإن كتابة هذا المقال بعيدة تماماً عن التناول من أى منظور نسوى أو حقوقى بالمعنى الكلاسيكى لكل منهما، وطالما أن الأمر يتصل بالشركات وإدارتها ومجالس إدارتها لذا سيكون تناولى من واقع ومنظور تخصصى كمحام فى مجالات الشركات فى القانون المصرى.
تُحدثنا دراسة صادرة مارس 2019 من جانب مؤسسة التمويل الدولية (1) عن جدوى وأهمية عضوية المرأة فى مجالس الإدارة بالمؤسسات المصرية وتخلص الدراسة إلى ” أن المجالس التى تراعى التنوع بين الرجل والمرأة تمكن الشركات من تحقيق أداء أقوى، مما يدعم الجدوى من تمثيل المرأة فى مجالس الإدارة.
ويكشف التحليل النوعى فى هذه الدراسة أن سيدات الأعمال المصريات يواجهن عقبات فى الترقى إلى المناصب العليا بالشركات، حيث تعمل النساء غالباً فى الوظائف الإدارية، مثل الموارد البشرية والحسابات، والتى لا تكون مصحوبة بمسئوليات رئيسية تتعلق بتوليد الإيرادات أو بالإدارة.
ونتيجة لذلك، فهن لا يطورن مجموعة المهارات والخبرات اللازمة للفوز بالترقيات الإدارية والمنافسة على مناصب مجالس الإدارة.
وفى تقرير صدر مؤخراً عن مرصد النساء فى مجالس الإدارة لعام 2019 التابع للجامعة الأمريكية بالاشتراك مع عدة وزارات مصرية ومؤسسات عالمية ومحلية (2) يشير هذا التقرير إلى الأرقام والنسب المئوية لعدد المقاعد التى تشغل فيها المرأة المصرية عضوية مجالس إدارة الشركات المصرية بحسب عدة قطاعات متنوعة سواء على صعيد الشركات المدرجة فى البورصة المصرية أو بالقطاع العام أو بالقطاع البنكى المصرفى وأخيرا القطاع المالى غير المصرفى. وكان القطاع المصرفى فى الصدارة عن باقى القطاعات الأخرى حيث بلغت نسبة تمثيل المرأة 14.8% تلاها القطاع المالى غير المصرفى بنسبة 11% ثم نسبة 10.1% للشركات المدرجة بالبورصة المصرية، ويأتى أخيراً القطاع العام بنسبة 6.1%.
والآن صار هناك سباق بين عدة قطاعات للدفع بالمرأة لشغل مقاعد بعضوية مجلس إدارة الشركات حتى ترتفع نسبة تمثيل المرأة فى عضوية مجالس الإدارة وترتب على ذلك صدور العديد من التشريعات والتعليمات الرقابية تدور بين التحفيز والإلزام للشركات ببعض القطاعات لتعيين المرأة بمجالس إدارتها.
البعض قد يقرأ مثل تلك التشريعات وغيرها من التعليمات والتدابير على أنها حافز إيجابي يصب فى قضية دعم المرأة فى سوق العمل.
لكننى لا أميل لتلك القراءة وذلك لعدة أسباب منها (أولاً)، إن إلزام تلك الشركات بتخليق مقاعد فى مجالس إدارتها تشغلها النساء سيدفع بلا أدنى شك تلك الشركات إلى الممارسة الصورية وسيكون الدفع بالمرأة استيفاء شكلى فقط لمحاذاة التشريعات، لاسيما وأن صوت واحد داخل مجلس إدارة شركة مـا لن يصمد بأى حال أمام الأغلبية التى يتكون منها المجلس.
(ثانياً) فى غالب الأحوال، فإن الانضمام لمجلس إدارة شركة والذى يمثل رأس السلم الإدارى بشركة يكون إما من خلال تمثيل لملكية رأس المال بتلك الشركة أو بترقى وظيفى أو لخبرة معينة أو بإرث عائلى ويكون لكل عضو من هؤلاء دافع وحافز لتقديم ما لديه فى اجتماعات مجلس الإدارة لتحسين أداء الشركة.
وبالتالى فالسؤال هنا عن أى حافز نتحدث لعضوة بمجلس إدارة هى تعلم وباقى أعضاء المجلس بجوارها على ذات الطاولة يعلمون أنها إنضمت فقط لاعتبارات كونها فقط امرأة.
(ثالثاً) لنسلم جدلاً أن فى ارتفاع نسبة تمثيل المرأة مؤشراً إيجابياً، أوليس من الأجدى الحديث عن أعضاء مجلس إدارة تنفيذيات يملكن الصلاحيات.
لمن لا يعلم، فإن الأصل العام فى تشكيل مجلس إدارة الشركات فى القانون المصرى يقوم على محورين الأول هو الأغلبية العددية عند التصويت والثانى نطاق الصلاحيات التى فى يد العضو المنتدب أو رئيس مجلس الإدارة، والتى منحته إياه الجمعية العمومية للشركة.
إذن ربما كان من الأجدى، إن شئنا بالفعل حديثاً جدياً عن مشاركة المرأة فى صنع القرار داخل شركة ما أن يكون وجه إلزام تلك الشركات بتعيين المرأة كعضو مجلس إدارة تنفيذى، وحيث أن لأعضاء مجلس الإدارة التنفيذيين متطلبات قانونية فنية ففى تلك الحالة سيكون لدينا عضوة مجلس لديها صلاحيات ومستوفية لمؤهلاتها الفنية وضالعة بالفعل بمسئولياتها ولن يكون انضمامها قد بُنى فقط على اعتبار كونها امرأة.
بغير ذلك سيصبح فى الغالب الأعم انضمام المرأة لمجلس الإدارة مجرد إستيفاء لرقم شكلى.
(رابعاً) فى الشركات والمؤسسات الكبرى ليت مجلس الإدارة هو من يصنع القرار وإنما تتم صناعة القرار فى اللجان التنفيذية التابعة لمجلس الإدارة ولدى رؤوساء قطاعاته الخاضعين لإشراف مجلس الإدارة هؤلاء هم من يعايشيون حياة الشركة يوماً بيوم وساعة بساعة هم الأدرى بدروبها وخباياها ومواطن ضعفها وقوتها.
صحيح أنهم بالفعل فى ترتيب السلم الإدارى بالشركة ليسوا بقمته، ولكنهم هم صُناع الأمور، لذا إن كان هناك دعم تشريعى للمرأة فليمتد إلى القلب الصلب بتلك الشركات إلى لجانها النوعية والتنفيذية.
(خامساً) طوال الوقت تتحدث التقارير عن قراءة النسبة فى ضوء مجالس إدارة الشركات المساهمة بينما هناك طيف واسع من غير الشركات المساهمة وهو الشركات ذات المسئولية الحدودة والتى ينتهى تدرجها الإدارى بمدير أو أكثر ولا يوجد فى تشكيلها القانونى هئية مجلس إدارة وبالتالى فتلك الشركات هى غير مقروءة بالمرة على رادار تلك التعليمات الرقابية والتشريعية.
ربما يكون هذا الإغفال مبناه خطأ شائع أن الشركات ذات المسئولية المحدودة هى فى مرتبة أقل من الشركات المساهمة كما أن تصنيفها قطاعياً أمر ليس باليسير كما هو الحال بالنسبة للشركات المساهمة، بينما حقيقة الأمر أن الشركات ذات المسئولية هى النمط المفضل لكثير من كبرى الشركات العالمية والمحلية العاملة فى مصر.
لاشك أن الحث على إشراك المرأة فى عضوية مجالس إدارة الشركات بهدف اشتراكها فى عملية صناعة القرار بتلك الشركات هو هدف إيجابى، ولكن مرة أخرى وبحكم التخصص المهنى أؤكد بمنتهى الثقة أن خلق وصقل مهارات صناعة القرار تجدها فى مواقع قيادات الوظائف التنفيذية بالشركات، لذا فالأولى بالبحث عن عدد النساء المنضمات لعضوية مجالس الإدارة هو البحث عن عدد كم مرأة تشغل مقعد رئيسة للقطاع المالى أو القطاع القانونى أوقطاع المبيعات أو الإئتمان والمخاطر، وكم مرأة فى شركتها هى عضوة وصاحبة صوت معدود باللجنة التنفيذية أو المراجعة أو المخاطر ذلك هو المؤشر الحقيقى لتمكين المرأة وظيفياً.
إن من أشد الممارسات واطئة على المرأة فى مجالها الوظيفى كلما تدرجت فيه لأعلى أنها تدرك وبمنتهى اليقين أنه حينما يأتى وقت المنافسة على ترقى لمقعد وظيفى مـا بينها وبين منافس رجل، فإن مجرد كونها امرأة سيخذلها وسيحول بينها وبين مقعد هى أحق به ومنافسها يعلم بذلك ولن يبالى.
إن هذا النوع من الممارسات الذى يقوم به للأسف غالبية من بيدهم قرار الترقى الوظيفى هو ما ينبغى مجابتهه والتصدى له تشريعياً ورقابياً.
إن قضية المرأة ونضالاتها على مر التاريخ هى فى رأيى أكثر قضايا النضال الإنسانى تراجيدية فبعد كل تلك الآلاف السنين من تاريخ حضارة الإنسان لازالت تُناقش حتى يومنا هذا بديهياتها ومُسلماتها فى المساواة وسلامة الجسد وغيرها، وستبقى باقية جدلية وسؤال هل التمييز الإيجابى لصالح المرأة يخدم أم يضر قضيتها.
فلنستغل إذن تلك الآلية وندعم مفهوم التمكين الحقيقى الذى سيكشف لنا خبيئة من الكنوز الدفينة من الجديرات بالإدارة والقيادة دون أن نكتفى ونقنع فقط بدور الظهور المشرف لهن.
لنخرج إذن من فكرة الترويج للتمثيل لمجرد التمثيل لإستيفاء الشكل والعدد والأنماط والقوالب وملئ استبيانات التقييم المؤسساتى ولتكن الجرأة بقدر الطموح إن شئنا حقاً تقديم دعم نزيهة للمرأة دعماً نابع من إيمان حقيقى بالشراكة وليس دعماً فوقياً له طابع المنحة والعطية، لنتحدث عن التمكين وليس التمثيل، التمكين بمنحها مكتسباتها الوظيفية وبألا يُفاضل عليها فقط لكونها امرأة.
مصطفى موسى؛ محام.