من يعلم كيف سيكون الوضع الطبيعى الجديد للطلب على البترول بمجرد أن يصبح وباء “كوفيد 19” خلفنا؟
لست أنا بالتأكيد، ولكنه على الأرجح سيكون أقل مما كان عليه في 2019، ويمكن أن يكون كذلك لسنوات كثيرة قادمة، وهو ما سيخلق قدرة إنتاجية فائضة عبر سلاسل إمداد البترول ويؤثر على الأسعار.
ورغم أن هناك علامات على أننا قد نكون مررنا بالأسوأ في هذا الانهيار التاريخي في الطلب على البترول، فإنها علامات مبدئية للغاية، ولا يوجد أحد يتوقع تعافياً سريعاً إلى حيثما كنا عليه قبل أن يضرب الوباء.
بل إن البعض مثل المدير التنفيذى لشركة “رويال داتش شل”، بين فان بيردن، يشير إلى أن الطلب على البترول قد لا يتعافى أبداً.
ويتوقع المحللون في “سيتي جروب” ألا يعود استهلاك وقود الطائرات إلى مستوى العام الماضي حتى منتصف عام 2022، وهم كذلك على الجانب المتفائل.
وعلى الجانب الآخر، يرى المدير التنفيذى لشركة “بوينج”، أن حركة السفر لن تعود لمستويات 2019 لمدة 3 سنوات، وحتى عندما تعود الشعوب للطيران، فإن شركات الطيران ستستخدم أحدث وأكفأ الطائرات لنقلهم، كما أشار زميلى ليام دينينج، وبورك سزرلاند.
لذا دعونا نخمن مقدار الخسارة في الطلب المستقبلى، ودعونا نخمن رقماً صغيراً إلى حد ما ونفترض أنه عند حوالى 5 ملايين برميل يومياً، أى ما يعادل 5% من الطلب على البترول العام الماضي، ويُقدر انخفاض الطلب على استهلاك البترول في أبريل عند 10 ملايين برميل يومياً.
وتقدر التوقعات، أن استهلاك البترول في 2020 سيكون أقل من عام 2019 بحوالى 10 ملايين برميل يومياً أى بنسبة 10%.
وبالتأكيد سيعود العديد منا إلى طريقة حياته قبل “كوفيد 19 ” بأسرع ما يمكننا، ولكن آخرون سيتخلون طوعاً عن الذهاب اليومي إلى العمل لصالح العمل من المنزل في أغلب الأحيان.
وقد لا يمانع أرباب الأعمال في تنفيذ رغباتهم بعد شهور من العمل الناجح عن بعد، كما أن رحلات العمل التى ساعدت على امتلاء الطائرات بالمسافرين برسوم مرتفعة قد تخضع أيضاً لإعادة النظر.
وهذه التغيرات ستعزز استهلاك الكهرباء، في حين تخفض استهلاك الوقود، ولكن هذا لن يفعل الكثير لمساعدة قطاع البترول الذى يناضل للتمسك بأعمال توليد الطاقة.
وبالطبع يمكننا جميعاً أن نتغاضى عن هذه الأزمة الأخيرة تماماً مثلما فعلنا مع الانهيار المالي في 2009 الذي أُودع في سجلات التاريخ، وبالكاد يُنظر إليه نظرات خاطفة.
لكن الوباء العالمي يبدو مختلفاً تماماً عن الأزمة المالية، لأنه يؤثر على سلامتنا الجسدية وكذلك على صحتنا المالية، وأجبرنا جميعا بدرجات متفاوتة على التكيف مع طرق جديدة للعيش والعمل سواء رضينا أم لا.
وقد ينجو قطاع البترول في ظل تراجع الطلب على البترول بنسبة 5% على المدى الطويل، ولكنه سيجد صعوبة في الانتعاش.
ومثل هذه الخسارة ستتسبب في قدرة فائضة هيكلية عبر سلاسل توريد البترول مباشرة، وستكون هناك آبار بترول أكثر مما يلزم، وسفن لنقلها أكثر مما يلزم، ومصافى لتكريرها كذلك أكثر مما يلزم.
وحتى قبل الوباء، فقد كنا ننظر لعالم حيث يتركز الطلب على البترول في البلاستيك أكثر من الوقود، وهذا كان يغيم على آفاق المصافى فى أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث كانوا يواجهون منافسة متزايدة من المحطات في الشرق الأوسط وآسيا الأجدد والأكثر كفاءة والتى لديها صفقات إمداد بترول طويلة الأجل أكثر تفضيلاً.
واستمرار التراجع في الطلب سيجعل المنافسة أكثر حدة، مع بحث المزيد من المصافى عن أسواق لمنتجاتها الفائضة، وقد يواجه جزء الاستكشاف مشكلات أقل، فمن الطبيعى أن تتراجع الحقول مع استخراج البترول، منها ما يتطلب من المنتجين إيجاد إنتاج جديد فى مكان آخر، ولا يوجد مكان يحتوى مخزوناً واضحاً أكثر من بقعة البترول الصخرى فى أمريكا.
ولكن طفرة البترول الصخرى الأمريكية الثانية كانت مدفوعة أساساً – من بين أسباب أخرى – بسنوات النمو القوى فى الطلب العالمى على البترول، وهى ما دفعت معظم منتجي البترول في العالم خصوصاً الأعضاء في منظمة “أوبك” إلى الضخ بأقصى ما لديهم، وساعدت على تداول أسعار البترول عند مستوى 50 دولاراً للبرميل، ولكن المنتجون فى “أوبك” يخفضون الآن الإنتاج بأكثر من 20%، كما يسعى المنتجون خارجها للتخفيض بنسب مشابهة.
وصحيح أن بعض آبار البترول التى ستغلق لن يعاد فتحها مجدداً، ولكن أغلبها سينتظر عودة ملاكها لتشغيلها فى أول فرصة، وهذا الإنتاج الاحتياطي المعلق سيضع سقفاً فعالاً على أسعار البترول مثلما حدث خلال تسعينيات القرن الماضى.
ولا يوجد مقدار من إدارة المعروض بقيادة السعودية أو تنمر من الولايات المتحدة على المنتجين الأجانب، سيكون قادرا على إزالة هذا الإنتاج الاحتياطي.
وبمجرد أن تنتهى الأزمة الحالية وتصبح من الماضى، قد تصبح الرياض غير راغبة فى لعب دول المنتج المتحكم فى الأسعار الذي يحد من إنتاجه، بينما يفتح الجميع صنابيرهم.
وفى كل مرة ترتفع أسعار البترول سيسارع المنتجون لاستخدام قدرتهم الإنتاجية المعطلة، مما سيقوض التعافى.
وعندما تراجع البترول في منتصف الثمانينيات، استغرق الأمر 20 عاماً حتى عادت الأسعار إلى مستوياتها السابقة أو ربما أطول، إذا احتسبت تأثير التضخم، وهذه المرة قد تكون فترة الانتظار أكثر امتداداً.
بقلم: جوليان لى، استراتيجى البترول لدى “بلومبرج”
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”