التدابير الاستثنائية ضرورية لمعالجة الأزمة التى تواجه العالم النامي
يواجه العالم النامى، موجة من حالات الإفلاس الحكومى نتيجة انتشار جائحة فيروس كورونا المميت، والمحتمل أن يخلف نوبات اضطراب عنيفة للأسواق الناشئة.
والمؤكد أن هناك حاجة لإيجاد حلول مبتكرة، لمنع الأزمة من التحول إلى كارثة تزيد بدورها من حالة الضغط على النظام المالى.
أفادت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، بأن الحجم والنطاق أمران استثنائيان.
فقد ناشدت أكثر من 100 دولة، صندوق النقد الدولى بالفعل المساعدة، والذى حذر فى نظرته الرئيسية للاقتصاد العالمى من مواجهة الأسواق الناشئة عاصفة مثالية، أى أنها تواجه تفاقماً كبيراً فى الأمور.
وأشارت الصحيفة، إلى أن موجة من التخلف عن سداد الديون السيادية أمر لا مفر منه.
ولحسن الحظ، فإنَّ المجتمع الدولى ليس غافلاً عن أزمة الديون المتخمرة.
فقد ألغى صندوق النقد الدولى، بالفعل، تسديد الديون المستحقة له من قبل 25 دولة نامية، منها أفغانستان وهايتى ورواندا واليمن، للأشهر الستة المقبلة، فى حين وافقت دول مجموعة العشرين على تعليق مدفوعات خدمة الديون الثنائية لـ76 دولة نامية فقيرة.
كما أنها دعت دائنى القطاع الخاص- البنوك وصناديق السندات والمقرضين التجاريين الآخرين – لاتباع الأمر نفسه.
ولسوء الحظ، ولأسباب عديدة، يواجه التنظيم الطوعى لتعليق سداد الديون بالنسبة للاقتصادات الناشئة تحديات صعبة للغاية، وربما يكون الأمر مستحيلاً. فليست هناك آلية قانونية تتجاوز حدود الولاية الوطنية لإجبار مجموعة متباينة من المستثمرين على تعليق سداد الديون لمجموعة متساوية من الدول المنكوبة.
بالإضافة إلى ذلك، ربما تتردد بعض الدول فى تطبيق تأجيل سداد ديونها فى الواقع، إذ يمكن أن يعتبر هذا التأجيل وصمة عار بالنسبة لجدارتها الائتمانية لسنوات قادمة.
ويثير هذا الأمر إمكانية حدوث سلسلة متتابعة من حالات التخلف عن السداد العشوائية، وتأجيل التفاوض بشكل فردى وإعادة هيكلة الديون، وبالتالى ستكون التداعيات هائلة فى مساحات واسعة من العالم النامى، وسيؤدى الضرر الناتج إلى تصعيد التوترات فى النظام المالى العالمى الذى لا يزال عُرضة للخطر.
ومع ذلك، عرض مجموعة من الأكاديميين الماليين والقانونيين البارزين، حلاً مثيراً للاهتمام وقابلاً للتطبيق بشكل نظرى على الأقل. كما أنه من شأنه أن يوفر تخفيفاً حيوياً بالنسبة للعديد من الدول النامية، ولن يمنع التعثر فى سداد الديون فقط، بل إنه سيجذب أيضاً العديد من الدائنين.
ويتضمن صميم الاقتراح، قيام البنك الدولى بإنشاء برنامج «تسهيل ائتمانى مركزى»، إذ يتعين على الدول الراغبة فى التمتع بأى تخفيف، إيداع أى مدفوعات دين فى هذا البرنامج، بدلاً من حسابات الدائنين، بالإضافة إلى إيداع أموال من البنك الدولى أو صندوق النقد الدولى فى هذا البرنامج ثم يعاد إقراض الأموال إلى الدول بأسعار فائدة ميسرة للتخفيف من آثار أزمة فيروس كورونا.
وأوضحت «فاينانشيال تايمز»، أن الدول ستكون بحاجة إلى مطالبة الدائنين بالقبول بشكل رسمى بسداد المدفوعات فى إطار برنامج «التسهيل الائتمانى المركزى»، بدلاً من وكيلهم المالى المعين، ما سيشكل إخلاء قانونياً كاملاً لالتزاماتهم، وبالتالى تجنب التعثر فى السداد.
عندما تخف حدة أزمة الوباء، يمكن بعد ذلك اتخاذ قرار مدروس بشأن ما إذا كانت الدولة بحاجة إلى تخفيف أعباء الديون أم لا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما مقدار هذا التخفيف؟
وربما تبدو فكرة موافقة الدائنين على هذا المقترح أمراً غريباً. ولكن ثمة حافز للقيام بذلك، حيث ستختلط الأموال فى التسهيلات الائتمانية بأموال المساعدة المقدمة من المنظمات التى تتجاوز الحدود الوطنية.
ويعتبر البنك الدولى وصندوق النقد الدولى من كبار اللاعبين فى أى عملية إعادة هيكلة للديون ولكنهما لا يخفضان من قيمة الأصل، لذا فإن أى أموال يوافق الدائنون على تحويلها إلى برنامج «تسهيل ائتمانى مركزى» ستكون محصنة.
بالطبع.. ربما تكون ثقافة العقاب ضرورية أيضاً لإجبار الدائنين المترددين على المضى قدماً فى الأمر.
ويطرح الاقتراح إمكانية إعلان مجموعة العشرين أن فيروس كورونا أثار «حالة القوة القاهرة» لتشجيع الدائنين المتمردين، وهذه إشارة إلى مواد لجنة القانون الدولى بشأن مسئولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دولياً؛ حيث تنص إحدى الفقرات على إمكانية تذرع بلد ما بـ«القوة القاهرة» لتبرير عدم الوفاء بالالتزام الدولى إذا كانت هذه هى الطريقة الوحيدة لمواجهة خطر حسيم ووشيك.
يعتبر هذا الأمر بالكاد حلاً فورياً وفعالاً، ولكنه حيلة قانونية يمكن أن تساعد على حماية الدول من الدائنين المتضررين الذين يسعون إلى التماس سبل الإنصاف من خلال المحاكم.
وذكرت الصحيفة أنه حل أنيق، ومن المحتمل أن يتم تنفيذه بسرعة، ولكنه يعانى بعض العثرات، فعلى سبيل المثال، رغم مبدأ «القوة القاهرة»، فإنه قد يجلب معارضة أخلاقية شديدة من قبل إدارة أمريكية ربما تكون غير راغبة فى مساعدة الدول النامية ضد الدائنين المقيمين فى الولايات المتحدة فى الغالب.
لكن فكرة انفتاح المجتمع الدولى على الحلول الجذرية تعتبر فكرة جيدة مؤكدة من قبل مديرة صندوق النقد الدولى كريستالينا جورجيفا، الأسبوع الماضى، إذ قالت إن الصندوق ربما يحتاج إلى مغامرة أبعد من ذلك خارج منطقة الراحة، والنظر فيما إذا كانت هناك حاجة إلى اتخاذ تدابير استثنائية فى هذه الأزمة الاستثنائية.
ومن المؤكد أن جورجيفا على حق.. فهذا ليس الوقت المناسب للجبن الفكرى والتشويش، خصوصاً أن الأسواق الناشئة بحاجة ماسة للمساعدة، كما أن هذا الاقتراح يعتبر حلاً ومسكناً قابلاً للتطبيق، يحتاج المسئولون للنظر فى الأمر بجدية.