يتعامل بعض المستثمرين مع موسم أعمال الشركات الأمريكية على أنه ربع “يمكن تجاهله”، ولكنه بدلاً من ذلك يقدم رؤى مهمة بشأن كيف تبحر الشركات فى هذه الفترة المرعبة وما يقبع أمامهم.
وظهرت 3 رسائل واضحة، الأولى، أن هناك فجوة كبيرة بين الفائزين والخاسرين، وقارنوا على سبيل المثال بيان شركة “مايكروسوفت” بأن “كوفيد 19” كان له “تأثير صافى ضئيل” على إجمالى الإيرادات الفصلية مع تقدم شركة “جى كرو” بطلب حماية من الإفلاس.
وهذا بمثابة مثال واحد على التباين بين الشركات الرقمية بالأساس مثل عملاق التواصل الاجتماعى “فيس بوك”، وشركة خدمات البث “نتفلكس” وهؤلاء العاملين بشكل أساسى فى العالم المادى بما فى ذلك صانعة السيارات “فورد”، ومجموعة الأغذية السريعة “ماكدونالدز”.
ولكن هناك استثناءات بسيطة فى هذا التباين، فإن النمو الهزيل على أساس سنوى لإيرادات شركة “أبل” بنسبة 1% بمثابة تذكير بأن ليس جميع شركات التكنولوجيا العملاقة محصنة من الصدمات للعرض والطلب.
كما حذرت “أمازون” مساهميها من أنها سوف تعطى الأولوية لمصلحة الشركة على المدى الطويل بدلاً من المكاسب قصيرة الأجل فى الوقت الذى تلبى فيها طلبيات الزبائن وتحمى موظفيها، كما أخطرت منافسيها أن عملاق التجزئة عبر الإنترنت يتطلع إلى حصة سوقية أكبر، بينما ينفق 4 مليارات دولار أو ربما أكثر قليلاً على نفقات مرتطبة بالفيروس.
وداخل القطاع المصرفى، كان أداء النماذج المصرفية العالمية لبنوك مثل “جى بى مورجان تشايس” أفضل، ولكن مجدداً، لن تتدفق المكاسب فورا إلى المساهمين نتجية مخصصات الخسائر الائتمانية الهائلة للحماية من التراجع الحتمى فى قدرة المقترضين على السداد.
والرسالة الثانية أن الميزانيات تهيمن على قوائم الدخل فى أذهان المستثمرين، ورغم المحاولات المبكرة لاحتواء التكاليف، فإن الانهيارات التى لم تخطر على بال فى إيرادات الشركات سلطت الضوء على النفقات والأصول السائلة ومخططات استحقاق الديون.
وانشغلت الشركات الراسخة منذ فترة طويلة فى الإجابة على استفسارات المحللين حول ما إذا كانت الاضطرابات الناتجة عن الفيروس الذى يضرب عملياتهم سوف تشكل أيضاً تهديداً وجوديا لميزانياتهم العمومية.
ولجأت بعض الشركات بالفعل إلى الحكومات للحصول على المساعدة، وقدموا لهم حصصاً فى الشركات مقابل التمويل الطارئ مثل شركة الطيران الألمانية “لوفتهانزا”، ويعتمد آخرون بشدة على سوق السندات، وأدى تدافع شركات مثل “بوينج” وغيرها على جمع الأموال إلى مستويات قياسية من الإصدارات.
والرسالة الأخيرة أن قابلية توقع الأرباح المستقبلية تدنت إلى درجة غير مسبوقة، والعديد من الشركات، وليس فقط العاملين بشكل أساسى فى العالم المادى، علقوا توقعاتهم لأرباح العام.
وفى الوقت نفسه، يقوم بعض المدراء التنفيذيين بإعادة صياغة الخطط لتعزيز مرونتهم التشغيلية من خلال جلب سلاسل التوريد إلى أرض الوطن، على سبيل المثال، أو زيادة كفاءتهم من خلال خفض الوظائف والتكاليف.
وتتماشى هذه المآخذ الـ3 من موسم نتائج الأعمال مع الاتجاهات الاقتصادية الكلية التى تشير إلى تراجع الإنتاجية وانخفاض الطلب وارتفاع الديون.
وجلب سلاسل التوريد إلى الموطن لن يكون المساهم الوحيد فى تراجع الإنتاجية على المدى القصير بعد الخروج من الأزمة بل إن تركز الشركات سوف يكون أعلى كما ستسود شركات “الزومبى”، التى تظل قائمة من خلال التمويل السهل فحسب.
وفى الوقت نفسه، سوف يتأثر الاستهلاك من مجهودات الشركات لخفض الأجور والوظائف، وفى بعض الحالات من زيادة التوجه للأتمتة، وكذلك من ارتفاع معدل الادخار مع اتجاه الأسر للاقتصاد بعد هذه الصدمة الكبيرة.
وهذا الخليط من المزيد من التباطؤ فى العرض والطلب سوف يأتى فى وقت تقفز فيه ديون الشركات والحكومات والأسر، وقد يؤدى التراجع الناتج فى جودة الائتمان إلى إشعال موجة من الإفلاسات والتصفيات الواسعة.
وساعدت مجهودات الإغاثة الكبيرة من قبل الحكومات والبنوك المركزية على تجنب صدمات فى أداء الأسواق والسيولة، ولكنها غذت افتراض أن هذه المجهودات فى الغالب – ووفقاً لنظرية اللعب – ستكون لمرة واحدة لن تتكرر.
ولكن اللعبة قد تكون متعددة الجولات وتواجه فيها مؤسسات القطاع العام مجموعة من التحديات الإضافية بما فى ذلك المزيد من الانخراط فى القطاع الخاص، وعلى سبيل المثال، قد تصبح ميزانيات البنوك المركزية أكثر عرضة لتعثر الشركات عن سداد الديون.
ولذا يتعين على المستثمرين الانتباه جيدا إلى كل من الرؤى الضيقة التى تقدمها الشركات والدروس الاقتصادية الأوسع لموسم الأعمال ذلك.
ويتعين على صناع السياسة أن يكونوا حذرين فى عدم تكرار أخطاء الأزمة المالية العالمية فى 2008 وكسب الحرب ضد الركود الاقتصادى، ولكن الفشل فى الحفاظ على سلام النمو المرتفع والشمولى والمستدام المرتبط بالاستقرار المالى الحقيقى.
وهناك حاجة لتطبيق مجهودات لتصميم تدابير ما بعد الإغاثة التى توجه مباشرة لمعالجة التراجع فى الإنتاجية مثل برامج البنية التحتية وإعادة التدريب المهنى وزيادة الأمان الاقتصادى للأسر مثل شبكات الأمان الاجتماعى الأقوى.
ويتعين على صناع السياسة تعزيز الجوانب الإيجابية من الأزمة مثل الشراكات الأفضل بين القطاعين العام والخاص والتمويل الأكبر للعلوم والخبرات.
ويتعين على المستثمرين النظر فى فوائد التنوع الأكبر فى المحافظ الاستثمارية وتحسين إدارة المخاطر، بدلاً من انجذاب الكثيرون لمراكز استثمارية تراهن على إما التعافى الحاد على شكل حرف “v” أو على فاعلية الدعم المقدم من البنوك المركزية أو كلاهما.
وإذا لم نتكيف سريعا، فنحن نخاطر بإضافة النمو الضعيف على المدى البعيد وعدم الاستقرار المالى إلى خليط من المخاطر التى تهدد بالفعل بمعاناة بشرية هائلة.
بقلم: محمد العريان، المستشار الاقتصادى لمجموعة “أليانز”، ورئيس كلية “كوينز” بجامعة “كامبريدج”
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”