للمرة الأولى منذ أسابيع، نستطيع القول إنَّ أنباء البترول ليست كلها سيئة، وبدأت تخفيضات الإنتاج تظهر آثاراً كبيرة فى المعروض.
كما بدأ الطلب فى التعافى، ولو بقدر طفيف، مع العودة إلى ما يشبه الحياة الطبيعية نوعاً ما فى بعض أجزاء العالم.
ولكن ثمة خطورة مزدوجة تلوح فى الأفق، الأولى أن رفع الإغلاقات مبكراً جداً يمكن أن يجلب موجة ثانية من العدوى والوفيات، والثانية أن تخفيف القيود المكتسبة بصعوبة على إنتاج البترول مبكراً يخاطر بانهيار ثانٍ لأسعار البترول.
ومع تخفيف التدابير الهائلة لتقييد حركة الشعوب، لا تزال العلامات الأولى لارتفاع الطلب بدائية ومحلية للغاية، وتتعلق ببداية شق طريقنا من أعماق الدمار الذى لحق بالطلب فى أبريل.
كما أنه لا يزال بعيداً كل البعد عن النمو فى الطلب على أساس سنوى، والذى كان مشهوداً قبل أن يضرب فيروس كورونا المستجد، وبعيداً أيضاً عن أى نوع من الاستنزاف ذى المعنى فى المخزونات المتضخمة.
ولكن يمكن اعتباره مجرد تحول مبدئى فى المسار، ما دامت لم تظهر حاجة لإغلاق الاقتصاد العالمى مجدداً لإبقاء تفشى «كوفيد 19» تحت السيطرة.
وتقدم الطريقة التى عادت بها الصين إلى العمل، لمحة توضيحية، إذ ارتفع الزحام فى طرق المدن الرئيسية خلال أوقات الذروة، ولكنه لا يزال متراجعاً خارج هذه الأوقات، ولا تزال مستويات الحركة المرورية أدنى من الطبيعى خلال نهايات الأسبوع والإجازات.
وفى الوقت نفسه، يفضل الناس قيادة سياراتهم بدلاً من المواصلات العامة، ما يعزز الطلب على الجازولين وهو اتجاه سيستمر على الأرجح لوقت طويل فى المدن الكبيرة حول العالم.
ففى بكين على سبيل المثال، لا يزال عدد راكبى مترو الأنفاق أقل بنسبة 50% عن مستويات قبل الفيروس، وفقاً لتحليل من وحدة بلومبرج (نيو أنرجى فاند).
وفى الوقت الذى بدأت فيه أجزاء من الولايات المتحدة تخفيف الإغلاقات وبدأ الناس ينزلون إلى الشوارع مجدداً، تعافى الطلب على الجازولين ببطء بعد تراجعه لأدنى مستوى فى 30 عاماً فى الأسبوع الأول من أبريل.
وبدأت مخزون الجازولين التى وصلت لأعلى مستوى على الإطلاق فى اول أبريل، التراجع. ولكن الاستهلاك لا يزال عند مستوى لم يُر منذ أوائل التسعينيات.
كما أن مجهودات إعادة فتح الشركات وعودة الناس للعمل يجب أن تكون أكثر انتشاراً قبل أن يعود كل شىء إلى «طبيعته».
وتلقى الطلب على وقود الطائرات، أكبر صفعة، ولا يزال متراجعاً بحوالى الثلثين من متوسط مستواه فى خمس سنوات فى هذا الوقت من العام، ولا يظهر أى علامات على التحسن مع بقاء الطائرات على الأرض وعدم اليقين بشأن متى؟ وما إذا كان الناس ستعود إلى الطيران مجدداً؟
وعلى النقيض، لم يتضرر الطلب على الديزل مثل أنواع الوقود الأخرى وهذا يعود جزئياً إلى مواصلة الشاحنات نقل البضائع.
ولكننا لا نزال بعيدين للغاية عن رؤية كثير من الفرج لمنتجى البترول الخام، ويتعين عليهم مواصلة تقييد الإنتاج.
وعلى جانب المعروض من المعادلة، بدأت التخفيضات أخيراً فى الأول من مايو بمقدار حوالى 10 ملايين برميل يومياً تم الاتفاق عليها الشهر الماضى من قبل مجموعة «أوبك بلس»، بقيادة السعودية وروسيا.
وتشير العلامات الأولية، إلى أن ثمة تخفيضات كبيرة يتم تطبيقها من قبل الدولتين، وقدرت مجموعة «إنترفاكس انفورماشن» أن إنتاج روسيا من الخام ومكثفاته بلغ فى المتوسط 9.5 مليون برميل يومياً فى أول خمسة أيام من مايو.
كما أظهرت بيانات تتبع الحاويات التى تتتبعها «بلومبرج» أن شحنات التصدير السعودية تراجعت كذلك.
كما تحدث التخفيضات التى يفرضها السوق فى أماكن أخرى، وتظهر البيانات الأسبوعية أن إنتاج الخام الأمريكى فى الأسبوع الأخير من أبريل تراجع دون 12 مليون برميل للمرة الأولى منذ فبراير 2019، باستثناء تأثير العاصفة الاستوائية «بارى».
وتظهر البيانات الشهرية أن الإنتاج الأمريكى يتراجع منذ نوفمبر، ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير جداً من البترول الذى يتم استخراجه من الأرض ويخزن فى المخازن الأمريكية، رغم أن وتيرة الزيادة فى المخزونات تباطأت.
وتتوقع شركة استشارات الطاقة «ريستاد إنرجى» أن يتراجع الإنتاج الأمريكى بمقدار 1.3 مليون برميل يومياً إضافية بنهاية يونيو، استناداً إلى التواصل المبكر مع المنتجين.
ولكن دعونا لا ننجرف.. فما هذه إلا بداية التعافى أو ربما اللمحة الأولى من نهاية الانهيار.
وبدأ ارتفاع الاستهلاك وتراجع الإنتاج للتو، فى تضييق الفجوة بين العرض والطلب. ولكن تراكم المخزونات الهائلة لم يتوقف بعد، ناهيكم عن أنه يسير فى الاتجاه المعاكس.
وتكمن الخطورة الحقيقية فى أنه عندما يبدأ الألم المالى الناتج عن خفض الإنتاج –والتكلفة البشرية لخفض الوظائف– فى أن تترجم إلى أسعار بترول أعلى، يعتبرها المنتجون، علامة على إعادة الضخ مجدداً وكأن كل مشكلة المعروض الزائد حُلت بين ليلة وضحاها.
وينبغى استمرار قيود الإنتاج لفترة كافية وليس فقط حتى يتوازن العرض والطلب، وإنما حتى تنخفض المخزونات مجدداً، ويتعين على الجميع إبقاء ذلك فى أذهانهم.
ورغم أن تأثير الانهيار فى أسعار البترول وأحجام الإنتاج خلق صعوبات لكل المعتمدين على القطاع، فإن التأثيرات مدمرة بشكل خاص فى الأماكن التى يعد فيها البترول شريان الحياة للاقتصاد، وحيث لا توجد أى احتياطيات نقدية للاعتماد عليها.
وإذا كنت تعتقد أن الوضع سيئ فى ميدلاند بتكساس، انظر إلى واررى بنيجيريا.
بقلم: جوليان لى، استراتيجى البترول لدى «بلومبرج».
إعداد: رحمة عبدالعزيز.
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج».