ربما يواجه أكبر مصدر للغاز الطبيعى المسال فى العالم، المحاصر بضعف الطلب ونقص المساحة التخزينية، ضرورة الاختيار بين أمرين صعبين قريباً، وهما خفض الإنتاج أو إشعال فتيل الحرب لتأمين حصة سوقية بإمكانها تحويل الأسعار إلى سلبية فى سوق الغاز، تماماً كما هو الحال فى سوق البترول.
وبدأت قطر، فى فبراير الماضى، إعادة توجيه شحنات الغاز الطبيعى المسال بعيداً عن آسيا، حيث كان تفشى جائحة كورونا يعوق المبيعات، وإرسالها بدلاً من ذلك إلى شمال غرب أوروبا.
ولكن هذا الحل السريع لم يدم طويلا، فسرعان ما تفشى الوباء فى أكبر اقتصادات أوروبا وترك قطر تكافح من أجل إيجاد أماكن لتخزين الشحنات غير المباعة، وبالتالى فإن قطر بحاجة لاتخاذ قرار هام ذى عواقب بعيدة المدى.
وأوضحت وكالة أنباء “بلومبرج”، أن خفض إنتاج الغاز، الذى يعتبر أحد صادرات قطر الرئيسية، قد يضغط على الإيرادات الحكومية فى وقت يزيد فيه انهيار البترول الخام الضغط على أسعار الغاز الطبيعى المسال، التى يرتبط بعضها بالبترول، كما أن خفض الإنتاج ربما يساعد أستراليا أيضاً فى توجيه ضربة إلى كبرياء قطر من خلال سحب لقب أكبر مصدر للغاز الطبيعى المسال فى العالم منها.
وإذا اختارت البلاد خفض الأسعار لتأمين المبيعات، فقد يؤدى ذلك إلى تفاقم انهيار الغاز، مما يهدد الهوامش الربحية حتى بالنسبة للمنتجين ذوى التكلفة المنخفضة، كما يمكن أن ينتهى الأمر بدفع الأسعار إلى ما دون الصفر، كما حدث فى سوق البترول الأمريكية لفترة وجيزة الشهر الماضى، عندما تجاوزت تدفقات الخام، السعة التخزينية فى مركز التخزين فى كوشينج بولاية أو كلاهما.
ومن المؤكد، أن قطر ستخسر فى الحالتين، بصرف النظر عن القرار الذى تعتزم اتخاذه.
وقال تيرى بروس، زميل الطاقة فى مركز ديفيس للدراسات الروسية والأوراسية فى جامعة هارفارد: “إما أن أوروبا لا تريد ذلك، وبالتالى فإن الشحنات ستظل عالقة فى قطر، أو سيتعين عليها وقف الإنتاج، ولكن إذا أجبروا الشحنات على التوجه إلى أوروبا، فإن العالم سيشهد نفس الأمر الذى شهده من قبل فى كوشينج بتكساس، أى تحول أسعار الغاز إلى تسجيل أسعار سلبية”.
وأصبحت أوروبا وجهة مفضلة للشحنات لفترة طويلة بفضل الأسعار ذات الشفافية النسبية، ولكن الآن، وفى ظل تراجع الطلب، يتجه المزيد من الغاز إلى مرافق التخزين، التى أصبحت تمتلئ سريعاً.
ووصلت شحنات الغاز الطبيعى المسال القطرى إلى ذروتها فى شمال غرب أوروبا فى أبريل، ووصلت قافلة من أربع ناقلات خلال الأسابيع الـ3 الماضية إلى محطة استيراد زيبروج البلجيكية، حيث حجزت شركة قطر للبترول المملوكة للدولة الطاقة الاستيرادية بأكملها حتى عام 2044.
وقال جراهام فريدمان، المحلل لدى شركة “وود ماكينزى” الاستشارية: “الطلب منخفض، والتخزين ذو تكلفة مرتفعة للغاية بهذا الوقت من العام، ويبدو أن هذا الأمر سيستمر لمدة 12 إلى 18 شهراً قادمة”.
ويبدو أن قطر تبطئ الشحنات المتجهة إلى أوروبا، حيث تشير جداول الاستيراد إلى أن عمليات التسليم فى شمال غرب أوروبا لن ترتفع فى مايو، كما فعلت فى أبريل، كما أن هناك 17 ناقلة للغاز الطبيعى المسال تتوقف حالياً قبالة ساحل البلاد، وهو أكثر من المعتاد بهذا الوقت من العام.
ولن تحتاج شركة قطر للبترول إلى تحويل الشحنات إلى أوروبا بمجرد استعادة الطلب على الغاز فى آسيا، ولكن هذا الأمر قد يستغرق عدة أشهر.
وتعتقد “بلومبرج إن إى إف” احتمالية انخفاض كمية الطاقة المولدة من الغاز بنسبة 3% فى عام 2020، مقارنة بالتوقعات قبل تفشى الفيروس.
وفى أبريل، قال الاتحاد الدولى للغاز، إن الفائض العالمى للغاز الطبيعى المسال قد يستمر حتى منتصف العقد.
وأوضحت شركة “ريستاد إنرجى” الاستراتيجية، إن قطر ستتمتع بميزة على منافسيها فى معركة الحصول على حصة سوقية، حيث ينتج مصنعها فى “راس لفان” ثالث أرخص غاز طبيعى مسال فى العالم، ومع ذلك تدفع الأسعار المتداعية الغاز الطبيعى المسال فى قطر نحو مستويات التعادل.