أصبحت النجاة الشغل الشاغل للشركات في كل مكان بينما يحاولون الاستمرار في العاصفة الاقتصادية التي جلبها فيروس كوفيد19، وأطلقت الحكومات حزم دعم لمساعدة الشركات خلال الركود ولكن الحقيقة المرة هي أنه لن تتمكن جميع الشركات من اجتيازها، وحتى قبل أزمة اليوم كانت الشركات قد تحملت مستويات غير مسبوقة من الديون، وبالنظر إلى الإغلاقات شبه الكاملة التي أوقفت النشاط الاقتصادي، فمن المحتمل أن يكون هناك فيضان من الإفلاسات.
وفي الولايات المتحدة، تقدمت بعض أكبر العلامات التجارية للتجزئة، بما في ذلك “جى كرو”، بطلب الإفلاس، وفي بريطانيا، أظهر مسح حديث أن تقريبا نصف جميع الشركات ليس لديها احتياطيات نقدية كافية تجعلها تستمر لأكثر من 6 أشهر.
وتكون عملية الإفلاس مزعجة لأي شركة حتى في الأوقات الطبيعية، وينبغي أن يكون مصدر القلق الرئيسي لصناع السياسة اليوم هو ضمان أن النظام لا يُكتسح بموجة من الشركات المفلسة، وحتى إذا احتاجت الشركات لإعادة الهيكلة بعد هدء الأزمة، ينبغي أن تكون أولوية الحكومات تقليص عدد حالات الإفلاس.
ويعد الإفلاس آلية ضرورية تسمح للأسواق الحرة بالعمل بكفاءة، وتسمح إجراءات الإفلاس الجيدة بتسريع حركة رأس المالي ولعمالة من الأنشطة التي أصبحت غير ذات جدوى إلى تلك المنتجة، ومع تطلع الحكومات لطرق لفطام الشركات عن تدابير الدعم الحكومية، ينبغي ضمان استمرار النشاط الاقتصادي الحيوي، وبالتالي ينبغي تبني نهج مرن ويجب أن يكون لدى الشركات مساحة لإعادة هيكلة الديون التي تحملها لكي تستمر أثناء الأزمة.
وينطبق ذلك بشكل خاص على الشركات القوية، وينبغي أن يكون الهدف هو القضاء على عبء الديون المتراكمة دون القضاء على الأنشطة التجارية معها، ولا تستطيع الاقتصادات تحمل فقدان الشركات التي لديها رأسمال بشري واجتماعي يصعب إعادة تكراره.
ويعد نظام الإفلاس الأمريكي مثالا جيدا عما هو مطلوب، لأنه يعطي الشركة حماية من الدائنين حتى تنظم أمورها على عكس الأمور في أوروبا حيث تؤدي إجراءات الإفلاس عادة إلى تصفية.
ويمكن ان تلجأ الشركات إلى التمويل الذي يعرف بتمويل “المدين الحائز للملكية”، وهو التمويل الذي يقدمه مقرضون قائمون أو جدد لتغطية عملية إعادة الهيكلة، وتأخذ هذه القروض الأولوية من الدائنين الآخرين وتساعد على تجنب تصفية المشروعات القابلة للاستمرار، وكانت عمليات إعادة هيكلة عمالقة صناعة السيارات في ولاية ديترويت الأمريكية في أعقاب الأزمة المالية العالمية نموذجا ناجحا جديرا بالملاحظة.
وحتى النظام الأمريكي قد لا يكون قادرا على مواكبة فيضان حالات الإفلاس المتزايدة، كما أن المادة 11 لديها سجل سيء مع الشركات الصغيرة والمتوسطة نظرا لأن التكاليف تكون كبيرة، ويقترح بحث أجراه معهد “بروكينجز” عددا من الطرق المعقولة للتكيف مع العملية بما في ذلك تدابير ما قبل التقدم بطلب للإفلاس حيث تتفق الشركات على خطة إعادة هيكلة مقدما، وفي بريطانيا، أعلنت الحكومة عن تغييرات في قوانين الإفلاس لإعطاء الشركات وقتا إضافيا لإعادة الهيكلة.
كما أن تعليق قانون التداول الخاطئ سوف يحمي المدراء من المسئولية إذا واصلوا الدفع للعاملين والموردين حتى إذا أثار ذلك مخاطر ان تصبح الشركة مفلسة.
وأهم من كل ما سبق، يتعين على الحكومات أن تتأكد من أن أنظمة الإفلاس يمكنها التكيف سريعا، كما ينبغي توفير موارد إضافية إذا تتطلب الأمر، ويتعين عليها تبني تدابير موازية مثل إعادة الهيكلة المسبقة.
وكذلك يمكن للحكومات تعليق مدفوعات الديون للشركات غير المتقدمة بطلب إفلاس مؤقت ويمكنها أن تقايض الديون بأسهم في الشركات التي لا تستطيع سداد المساعدات الحكومية.
كما ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي للحكومات هو مساعدة الشركات على إعادة الهيكلة مبكرا وسريعا لتجنب التقدم بطلب إفلاس.
افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية
إعداد: رحمة عبدالعزيز