لكل شىء إذا ما تم نقصان.. بلغ رجل الأعمال السعودى الشيخ صالح كامل الذى توفى أمس الأول عن 79 ذروة نجاحه عام 2017 قبل أن يبدأ المنحنى فى الهبوط مع اعتقاله ضمن مليارديرات آخرين فى فندق الريتز كارلتون فى العاصمة الرياض.
لكن بغض النظر عن التسويات التى أبرمها مع السلطات هناك للإفراج عنه على حساب ثروته، ترك الرجل وراءه إرثا ضخما من الآراء والمواقف والشركات التى تعمل فى كل شىء تقريبا.
التاجر الحجازى الذى ولد عام 1941 فى مكة المكرمة نجح فى تكوين إمبراطوريات ناجحة فى الخدمات المالية والإعلام، وهو صاحب الأحلام الكبيرة التى تتعلق بالاقتصاد الإسلامى والتجارة بين الدول الإسلامية حقق بعضها وزرع بذرة الكثير مما لم ينم بعد بسبب أوضاع أكبر من أن يؤثر فيها رجال الأعمال ذوى الأفكار.
وخلال أكثر من نصف قرن عمل كامل، ابن رئيس الديوان الملكى السعودى السابق، بدأب وبلا كلل على تحقيق الكثير مما حلم به، وكغيره من رجال الأعمال الأذكياء لم يضيع الفرصة التى واتته مع تحول بلاده من بلد صحراوى متأخر لقرون إلى دولة عصرية سريعة التطور والنمو اعتمادا على طفرة النفط الذى تفجر فى صحارى شرق المملكة منتظرا من يستغل عوائده.
ومن بداية متواضعة فى الستينيات قام مطوف الحجيج السابق، الذى ترك مهنة آبائه بعد وقت قصير، بتنمية أعماله حتى بنى إمبراطورية دلة البركة، وباتت تعمل فى 9 قطاعات كبيرة هى الخدمات المالية والتجارة والإعلام والعقارات والخدمات والنقل والرعاية الصحية والصناعات الغذائية والاستثمار، قبل أن يسلم إداراتها التنفيذية إلى ابنه عبد الله منذ سنوات.
ومن أبرز الشركات التابعة لدلة البركة بنك البركة، الذى يعمل فى المنطقة الواقعة بين باكستان وتونس ويتواجد فى الكثير من دول المنطقة ومن بينها مصر، والذى يعمل كما يقول فى الخدمات البنكية الإسلامية.
وكان لكامل استثمارات ضخمة فى المجال الإعلامى وكانت رحلته فيها محفوفة بالشد والجذب، ولم يسلم رجل الأعمال الذى يسعى لتطبيق المبادئ الإسلامية فى أعماله، من اتهامات بالاحتكار، تارة بسبب شرائه لحقوق عرض أعمال فنية مصرية ساهمت فى تشكيل وجدان الملايين عبر المنطقة، وتارة أخرى بسبب تبنى قنواته مبدأ الدفع من أجل المشاهدة، عندما كانت تمتلك حقوق بث بطولات كرة القدم العالمية، وهى متعة اعتاد الناس الحصول عليها مجانا قبل عصر قنوات «إيه آر تى»، لكنه ظل متمسكا بأفكاره مدافعا عن حقوقه فى منطقة لا تحترم كثيرا هذه النوعية من الحقوق.
صالح كامل، كان كثير التواجد فى مصر وتزوج من فنانة مصرية شهيرة وأنجب منها، واقترح الكثير من الأفكار لتطوير الحياة فى مصر، وعانى مثل البقية من بيروقراطية الأجهزة الحكومية المزمنة، واقترح قبل سنوات تأسيس مطار آخر غرب القاهرة لخدمة المدينة الضخمة والتى يحتاج الوصول من شرقها إلى غربها وقتا أطول من الوصول من جدة إلى القاهرة.
وفى سعيه لتحقيق أفكاره أسس كامل العديد من المؤسسات وأطلق المبادرات، وترأس لجنة المشاركين فى محفظة البنوك الإسلامية والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية. وكان رئيس مجلس أمناء المؤسسة المصرية للزكاة، إضافة لعضويته مجلس أمناء كل من مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين، ومؤسسة الفكر العربى والمؤسسة العربية للإعلام.
وشملت المنشآت غير الربحية التى أقامها كامل مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامى بجامعة الملك عبدالعزيز فى جدة، ومركز صالح عبدالله كامل للاقتصاد الإسلامى بجامعة الأزهر ومركز جدة للعلوم والتكنولوجيا فى جدة.
ولم يمنع تقدم السن صالح كامل من السعى وراء أحلامه وواصل الظهور من فوق كرسيه المتحرك حتى النهاية.
ورغم فترة الاعتقال فى الريتز كارلتون، إلا أن السلطات سمحت لابن مكة بوداع أخير لمدينته التى ولد فيها، وفى خطوة فيها الكثير من العرفان والتكريم صليت الجنازة على جثمانه فى المسجد الحرام رغم أنه شبه خال بسبب إجراءات مكافحة كورونا.
ونعى آلاف مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى فى مصر والخليج رجل الأعمال الذى كان ملء السمع والبصر، بعد تلقيهم نبأ رحيله المفاجئ.