يعتبر المخطط الفرنسى الألمانى الذى ينص على إنشاء صندوق تعافى بقيمة 500 مليار يورو للمساعدة فى التصدى للأضرار الاقتصادية الناجمة عن انتشار وباء فيروس كورونا المميت، إنجازاً مهماً فى السعى لتحقيق التضامن بين أعضاء الاتحاد الأوروبى.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن دعم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للتحويلات الضخمة بدلاً من منح قروض للمناطق المتضررة بشدة يعد امتيازا مهماً يتناسب مع خطورة الأزمة والحاجة إلى استجابة جريئة للتصدى لها، خاصة بعد أن قاومت برلين لفترة طويلة الطموحات الفرنسية لتقاسم الأعباء المالية بشكل أكبر، دون الاكتراث للحجج القائلة بأن استقرار منطقة اليورو فى خطر بدونها.
ولقد كان المؤمنون بأوروبا الموحدة سياسيا يتوقون منذ فترة طويلة إلى قانون تكامل مالى لا رجعة فيه لملء الفجوة التى خلفها اتحاد العملة الأوروبى، الذى تشكل فى عام 1999، وهو ما يعادل موافقة الإسكندر هاملتون والآباء الآخرون المؤسسون للولايات المتحدة على أن السلطات الفيدرالية يجب أن تقترض ديون الولايات.
ومن المؤكد أن الاتفاق الناشب بين المستشارة ميركل والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ليس مجرد “لحظة هاميلتون”، فهو لا يخلق نظاماً دائماً للديون المتبادلة بالكامل، كما أنه لا يوضح كيف سيعاد دفع المبالغ المجمعة فى نهاية المطاف، لكنه لا يترك أى شك فى أن الدول الدائنة الثرية لن تكون مسئولة عن ديون الآخرين، ولن يكون لها الكلمة الأخيرة فى هذا الشأن.
وتعتزم المفوضية الأوروبية تقديم مخطط رسمى بشأن صندوق التعافى فى 27 مايو الجارى، وبعد ذلك يستطيع لرؤساء حكومات الاتحاد الأوروبى الإدلاء برأيهم، ولكن من المؤكد أنه ستكون هناك حاجة إلى إجماع جميع دول الاتحاد الأوروبى الـ27.
وأوضحت “فاينانشيال تايمز”، أن الحكومات، خاصة النمسا والدنمارك وهولندا والسويد، المتشككة فى تصميم الاقتراح وتأثيره على سياسات رفع الديون والإنفاق فى الاتحاد الأوروبى، لن تتمكن من عرقلة الاقتراح أو الحد من ميزاته الأساسية.
وأشارت إلى أن هناك درس مستفاد من الأزمات السابقة يتمثل فى أن الإجراءات غير الملائمة تزيد حدة الخلافات بين الحكومات وتحفز الإحباط العام لدى الاتحاد الأوروبى، كما أنها تثير الشكوك فى الأسواق المالية حول مدى استقرار منطقة اليورو.
وتبرز المبادرة الفرنسية الألمانية تدابير مكافحة الأزمات الرامية للانتشار فى الديون السيادية والاضطرابات المصرفية منذ عقد من الزمان، أو تم تبنيها فى وقت سابق من تفشى هذا الوباء، وستجمع اللجنة الأموال على المدى الطويل من الأسواق المالية، مما يخلق سابقة محتملة للاقتراض المركزى واسع النطاق فى الأزمات المستقبلية.
وعلاوة على ذلك، ترسل المبادرة إشارة إيجابية مفادها أن ألمانيا وفرنسا قادرتان على إلقاء ثقلهما السياسى المشترك وراء التدابير المبتكرة، التى تهدف إلى مساعدة الدول الضعيفة من أجل وحدة منطقة اليورو.
وعلى النقيض من حالات الطوارئ فى الفترة من عام 2008 إلى عام 2015، أثبتت الاستجابة السياسية للوباء أنها أسرع وأفضل تنسيقاً، فقد وفر الاتحاد الأوروبى بالفعل خطوط ائتمان متاحة فى إطار آلية الاستقرار الأوروبية.
كما أن الاتحاد بصدد وضع خطة جديدة للقروض والضمانات فى بنك الاستثمار الأوروبى ووضع اللمسات الأخيرة لخطة على مستوى الاتحاد الأوروبى للتخفيف من البطالة الناجمة عن الوباء، والأهم من ذلك استعداد البنك المركزى الأوروبى للدفاع عن منطقة اليورو من خلال توسيع نطاق شراء السندات.
كيف ستسير الخطة من الناحية العملية؟
لا تدور الأسئلة الرئيسية المطروحة حول حجم صندوق التعافى والتوازن بين المنح والقروض فقط، بل أيضاً هناك أسئلة مهمة حول كيفية توزيع الأموال وكيفية سدادها.
ويناقش الدبلوماسيون بالفعل المعايير التى ستستخدم لتحديد حجم توزيع الأموال، وبالتالى فإن دول أوروبا الشرقية التى تضررت اقتصاديا ولكنها لم تتضرر بشدة من حالات الطوارئ الصحية تستعد لخوض المعركة.
وسيتعين على الدول الأعضاء أيضاً مناقشة كيفية سداد الديون من موازنات الاتحاد الأوروبى المستقبلية دون تجريدها من الموارد، فهذا هو السبب الكامن خلف قيام المفوضية بإزالة الغبار المتراكم على الطموحات طويلة الأمد لمنح الاتحاد الأوروبى موارد خاصة جديدة ومصادر مباشرة بشكل أكثر للإيرادات لتستقر بجانب المصادر الموجودة بالفعل، مثل الرسوم الجمركية.
هل سيكون لهذه الخطة أهمية اقتصادية للدول التى تعانى ضغوط شديدة؟
تبلغ قيمة حزمة الإنقاذ ما يزيد قليلاً عن 3% من الناتج المحلى الإجمالى للدول الأعضاء الـ27 فى الاتحاد الأوروبى، لذا فإنها ذات أهمية.
ويقول جونترام ولف، من مؤسسة “بروجيل” الفكرية، إن التأثير الاقتصادى سيعتمد على كيفية توزيع التمويل، فإذا تم توزيعه بالتساوى عبر الكتلة الموحدة فإن الأهمية ستضعف، لكن التوقع هو أن معايير التخصيص ستضمن حصول المناطق الأكثر ضغطاً على حصة غير متناسبة من التمويل.
وقالت شيارا كريمونيزى، الخبيرة الاستراتيجية لدى بنك “يونيكريديت” الإيطالى، إن المستثمرين يصبون تركيزهم على الإشارات السياسية الأوسع نطاقاً، التى يقدمها التحالف الألمانى الفرنسى، خاصة أن هذه خطوة مرحب بها للغاية بالنسبة إلى أوروبا وإطارها المؤسسى إذا استمرت، كما أنها خطوة تشير إلى وجود استعداد لتطبيق التضامن فى المساعدة لتحقيق الانتعاش الاقتصادى.