التداعيات الاقتصادية تشكل تهديداً للقطاع المالى غير المصرفى
أعدت الهيئة العامة للرقابة المالية بالتعاون مع المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة»، دراسة بعنوان «رسم ملامح الاستدامة فى زمن فيروس كورونا.. ملاحظات عملية للشركات العاملة فى القطاع المالى غير المصرفى المصرى».
قالت الدراسة التى حصلت «البورصة» على نسخة منها، إن التداعيات الاقتصادية المتصاعدة الناجمة عن انتشار فيروس كورونا تشكل تهديدًا خطيرًا لاستقرار ونمو القطاع المالى المصرى.
وأضافت أنه لتجنب التباطؤ الاقتصادى وآثاره السلبية، تحاول الحكومة الموازنة بين الحفاظ على استمرارية الشركات فى العمل لإنجاز مشروعات البنية التحتية الجارية والمشروعات الإنتاجية، وبين الحفاظ على الصحة العامة وتحجيم انتشار الوباء.
ولفتت إلى أن التضامن والتعاون بين مختلف أصحاب المصلحة يعد أمرًا حيويًا من أجل الحفاظ على إبقاء عجلة دوران قطاعات كبرى من الاقتصاد أثناء محاولات تسطيح منحنى العدوى.
وذكرت أنه بالنظر على الوضع المصرى، تقف الحكومة المصرية والهيئات الرقابية والقطاع الخاص والمجتمع، يداً بيد للمساعدة فى تقليل الخسائر المالية للشركات، وخصوصاً الصغيرة والمتوسطة، والحفاظ على معدلات التوظيف، وتجنب حالات تسريح العمالة، مع الاستمرار فى تعزيز التباعد الاجتماعى، واتخاذ التدابير الوقائية المتعلقة بالنظافة والتعقيم، بل والسماح بالعمل من المنزل كلما كان ممكناً.
وقالت إنه رغم أن أزمة الفيروس المستجد لم تهدأ بعد ولم يتم تحديد الوقت المتوقع لبدء رحلة التعافى بشكل قاطع، إلا أنه يمكن القول أن التغيير قادم.
وأوضحت أن الجهود المبذولة لاحتواء الأثر السلبى الاقتصادى والصحى للوباء والحد منه، أجبرت البلدان والشعوب على تبنى عدد من التدابير والحلول والتغيرات السلوكية والتكيف معها.
وهذه التدابير والسلوكيات تتحول بسرعة إلى أنماط واتجاهات تشير إلى تغيير جوهرى فى الواقع الذى نعرفه.
وقالت إن الاتجاهات الرئيسية والمتعلقة بشكل خاص بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية المصرية، تشمل إدراك أهمية اقتصاد المعرفة، إذ كشفت الأزمة عن أهمية المعرفة، والبحث والتطوير، والتقدم العلمى، وأهمية الابتكار التكنولوجى.
كما ظهر أيضاً فى القدرة السريعة على تعبئة مرافق البحث والتطوير الحالية، والخبراء والعقول البشرية وبراءات الاختراع التكنولوجية لتصنيع المعدات الطبية اللازمة لرعاية المرضى.
قالت الدراسة، إن اقتصاد المعرفة يتلخص فى تحويل القيمة الاقتصادية للاقتصاد من العمالة التقليدية والمواد الخام وتصنيع المنتجات إلى إعطاء قيمة أكبر لإنشاء تكنولوجيات جديدة والتفكير التصميمى، والاعتماد على قدرة الناس على الابتكار وتعظيم المعرفة والوصول إلى المعلومات من خلال الحلول الرقمية.
والطفرة الحالية فى التقنيات المالية الجديدة والخدمات الرقمية والمنصات الإلكترونية التجارية، أدت إلى تسهيل وتيسير استمرارية المعاملات المالية والتجارة وشراء السلع والمنتجات.
وهو ما مكن المستهلكين والموردين والبائعين ومقدمى الخدمات من إتمام البيع والشراء أثناء فترات الحظر والتباعد الجسدى الإجبارى.
أضافت أن الأزمة ساعدت فى تسريع جهود الحكومة المصرية للاستفادة من التكنولوجيا المالية، وتعزيز التحول الرقمى فى المجال المالى من خلال المدفوعات الإلكترونية، وزيادة استخدام بطاقات الائتمان، والمحافظ الإلكترونية على الهواتف المحمولة، والخدمات المصرفية الهاتفية وغيرها من الخدمات المالية.
كما أن التسويق وخدمة العملاء وتطبيقات الهاتف المحمول الخاصة بتوصيل السلع تعد من العوامل التى تغير قواعد اللعبة. وهكذا، فإن التجارة الإلكترونية والخدمات الإلكترونية تحلان بسرعة محل المنافذ التجارية التقليدية، والمتاجر، وفروع البنوك وغيرها.
تابعت: «سهلت مجموعة التطبيقات عبر الإنترنت والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة ووسائل الاتصال الرقمية الأخرى، بدء تشغيل واعتماد التعلم عن بُعد والعمل عن بُعد وإدارة الأعمال عن بُعد ومراقبة مجموعات العمل وحتى عقد المؤتمرات العالمية».
وأعلنت الحكومة منذ بداية عام 2019، عن خطة استباقية لتعزيز التحول الرقمى للخدمات الحكومية، وميكنة الإجراءات الإدارية، إعادة التركيز على التصنيع والإنتاج المحلى للمنتجات الاستراتيجية.
ولفتت الدراسة إلى أهمية الاعتراف بالقيمة المضافة لريادة الأعمال وتطوير التكنولوجيا المحلية، إذ أن زيادة عدد الشركات الناشئة التى تركز على توفير الحلول المالية الرقمية عامل محفز لتمكين الشركات، من إنشاء سوق جديدة للتمويل الرقمى لخدمة القطاعات الاقتصادية المختلفة فى مصر.
وهذا الاتجاه مكّن الشركات أيضًا من البدء فى استخدام المعاملات المالية الرقمية للاستخدامات غير التقليدية من خلال الدفع عبر الهاتف المحمول، والمحافظ الإلكترونية ودمج هذه الأدوات المالية الرقمية فى عملياتها.
وأدى ظهور نظام بيئى فى مجال التكنولوجيا المالية واعتماد عدد من الشركات الناشئة على التكنولوجيا فى مصر قبل أزمة فيروس كورونا، إلى تأثرها بشكل محدود خلال الأزمة، نظراً لاعتمادها على مجموعة من الأدوات الرقمية فى إتمام عملياتها.
قالت الدراسة، إن أزمة الوباء سلطت الضوء على ضرورة دمج مبادئ الاستدامة فى نماذج الأعمال الأساسية كإجراء لمواجهة الاضطرابات غير المتوقعة فى الاقتصاد، والكوارث الطبيعية، وظروف السوق المتغيرة المفاجئة غير المخطط لها.
وأضافت أن نماذج الأعمال المستدامة تمنح للشركات القدرة على التكيف والتأهب وسرعة الاستجابة لمواجهة هذه التحديات من خلال إدارة المخاطر الاستباقية وإدارة التغيير.
جرس إنذار للشركات لتسريع عمليات التغيير
فى حين أن التأثير الاقتصادى الكامل للوباء على السوق لم يتم الكشف عنه بعد، إلا أنه توجد علامة استفهام خطيرة يجب تأملها من قبل الشركات المالية والقائمين على إدارتها.
وقالت إنه من المهم بالنسبة للرؤساء التنفيذيين ومديرى المخاطر فى الشركات اعتبار الأزمة الحالية بمثابة محاكاة للأداء أو اختبار كفاءة لتقييم طرق تعاطى الشركة معها، وقدرة أساليبها التشغيلية على التكيف فى مواجهة الأحداث غير المتوقعة والقوى القاهرة.
وتوقعت أن يكون ما بعد فيروس كورونا مختلفًا؛ وهو ما سيدفع الشركات إلى إعادة التفكير فى طريقة عملها، وطرق تقديم الخدمات، ووسائل تحقيق الأرباح، كجزء من إدارة المخاطر طويلة المدى لديها وخطط استمراريتها.
ومن المتوقع أيضاً، أن يزداد معدل الكوارث الطبيعية فى المستقبل القريب، كناتج ثانوى لتغير المناخ والتدهور البيئى المتسارع وفقدان التنوع البيولوجى.
ولفتت إلى أنه رغم عدم وجود صلة سببية مؤكدة علمياً بين تغير المناخ وفيروس كورونا، إلا أن منظمة الصحة العالمية منذ عام 2003، حذرت كثيراً من أن تغير المناخ، بمافى ذلك تلوث الهواء، وتدمير المواطن الطبيعية للأنواع الحيوانية، واختلال التوازن فى سلسلة الإمدادات الغذائية يمكن أن يحفز انتشار الأمراض المعدية.
وأعلن المنتدى الاقتصادى العالمى مؤخرًا، أنه يجب الربط فى النظر إلى الاستجابات لتغير المناخ والاستجابات لأزمة كورونا.
والوضع الحالى للكوكب يشير إلى وجود عدم توازن بيئى خطير، يمكن أن يؤدى إلى تفاقم انتشار مسببات الأمراض والأمراض التى تنتقل بين الأنواع الحية المختلفة وتصيب البشر (WEF, 2020).
وأشار المنتدى أيضًا إلى أن السكان الذين يعيشون فى مدن شديدة التلوث أكثر عرضة للإصابة بأعراض حادة من عدوى فيروس كورونا بسبب ضعف الجهاز التنفسى وأنظمة المناعة المعرضة للخطر (WEF, 2020).
وتوقع أن تكون المجتمعات الأقل حظاً والسكان ذوى الدخل المنخفض هم الأكثر تضرراً بسبب عدم الحصول على الرعاية الصحية المناسبة ووسائل النظافة وتقلبات الدخل والحصول على الدواء WEF, 2020.
وهذه المخاوف لها صدى مباشر على مصر التى يوجد بها عدد من المدن بنسبة تلوث هواء أعلى من المتوسط، ونسبة عالية من السكان لديها دخل منخفض غير مستقر.
ويمكن اعتبار الأزمة الحالية بمثابة دق ناقوس يحفز قادة الأعمال على تبنى دمج الاستدامة فى نماذج أعمالهم وسياساتهم التشغيلية، ووضع سرعة الاستجابة والمرونة فى الاعتبار.
متطلبات الشركات لدعم جاهزيتها للمستقبل
قالت الدراسة، إنه مع التركيز على الشركات فى القطاع المالى غير المصرفى، ثمة عدة متطلبات رئيسية يجب على الشركات مراعاتها فى سعيها لتسريع الانتقال نحو نماذج أعمال وسياسات تشغيل أكثر استدامة ورقمنة.
وأوضحت أنه من ضمن تبنى إدارة الأزمات والمخاطر والتغيير، وتسريع التحول الرقمى وإدارة البيانات، التوافق مع أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، وتبنى منهج ثلاثى المعايير (الاقتصادى والاجتماعى والبيئي).
فضلاً عن الإفصاح وتقديم التقارير، وقياس الأثر (تأثير ممارسات الاستدامة فى الشركات)، وتعميم المسئولية المجتمعية، ورقمنة الاتصالات والعمل عن بعد، والإدارة المستدامة للموارد، وتضمين مخاطر تغير المناخ
ذلك، بالإضافة إلى الخدمات المالية الشمولية، ودمج الأدوات المالية الرقمية وتوفير الخدمات المالية الرقمية، وإتاحة التمويل الأخضر والاستثمارات المسئولة، وتكوين الشراكات مناصرة الاستدامة والعمل التطوعى.
واختتمت الدراسة، بأن نجاح الشركات وخصوصاً فى القطاع المالى بشكل عام، مرهون دائمًا بالقدرة على توقع الفرص والمخاطر.
وأوضحت أنه من المتوقع أن تضع الشركات، الاستدامة فى مقدمة أولوياتها مقابل ما اعتادت عليه من سياسات تشغيلية واستثمارات.
ولفتت إلى ضرورة أن تبدأ فى تغيير بوصلتها الإدارية للاعتراف بأهمية كل من المساءلة البيئية والمجتمعية.