كشف تفشى جائحة فيروس كورونا المميت عن هشاشة بعض من أكبر شركات البترول والغاز فى العالم، لكنه منحها أيضا الفرصة لجعل المستثمرين يتقبلون ولو بصعوبة بعض الأمور غير المرحب بها.
ومنذ بدء تفشى الوباء، أجرت شركتا “بريتش بتروليوم” و”رويال داتش شل” تغييرات جذرية فى أعمالهما التجارية، بداية من عمليات خفض التكاليف بمليارات الدولارات وحتى تخفيضات كبيرة فى الأرباح والوظائف.
وأوضحت الشركتان أن هذه التحركات جاءت كرد فعل على التهديدات الثنائية لانخفاض البترول الناجم عن الإغلاق والضغط المتزايد لخفض الانبعاثات الكربونية، ومع ذلك، تشير هذه القرارات إلى أمور كثيرة متعلقة بهشاشة الشركات الفردية.
ويشير بعض المحللين والمستثمرين إلى أن الأزمة الراهنة منحت ” بريتش بتروليوم” و “شل” الفرصة للتخلص من الأمور غير الضرورية أو غير المرغوب فيها من خلال الحد من مدفوعات المساهمين المرهقة أو تعديل افتراضات الأسعار غير الواقعية.
وذكرت وكالة أنباء “بلومبرج” أن شركة “بريتش بتروليوم” أعلنت، يوم الاثنين الماضي، عن أكبر خفض فى قيمة أعمالها منذ كارثة انفجار منصة “ديب ووتر هورايزون” البترولية قبل عقد من الزمن، حيث جاء ذلك الأمر بعد مرور أسبوع من إعلان الشركة تسريح ما يصل إلى 10 آلاف وظيفة.
وقال برنارد لوني، الرئيس التنفيذى لشركة “بى بي”، إن هذه الخطوات ضرورية لأن أسعار البترول والغاز ستكون أقل مما كان متوقعا فى العقود المقبلة، حيث يتسبب كوفيد-19 فى إلحاق الضرر بالطلب على المدى الطويل ويسرع التحول إلى طاقة أنظف.
خفض الأرباح
وألقى نظير لونى فى شركة “شل”، الرئيس التنفيذى بن فان بوردن، باللوم على نفس العوامل لاتخاذ قراره الصعب بخفض توزيعات أرباح الشركة للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.
وكان العديد من المحللين والمستثمرين يتوقعون اتخاذ شركة “بى بي” نفس الخطوات قبل انتهاء الأزمة الراهنة.
وقال روس مولد، مدير الاستثمار فى “إيه جيه بيل”، إن هناك فرصة بأن يقوم الرئيس التنفيذى لشركة “بى بي” بإقناع المساهمين بخفض توزيعات الأرباح.
وأشار إلى أنه إذا كان المستثمرون يهتمون بالفعل بالاستراتيجية الجديدة المحايدة للكربون، فربما يسامحون نسبيا عن انخفاض حجم توزيعات الأرباح السنوية، خاصة بالنظر إلى انخفاض أسعار البترول والغاز الذى شهده العالم هذا العام.
وذكرت “بلومبرج” أن الجائحة والحاجة لخفض انبعاثات الكربون لديهما القدرة على إعادة تشكيل الصناعة، ولكن هناك بعض المشاكل التى تسبق هاتين الأزمتين التوأم.
فى حالة “شل”، كان المستثمرون يتساءلون بالفعل عن القدرة على تحمل أرباح سنوية تقدر قيمتها بـ 15 مليار دولار بالنسبة لشركة كانت تخطط أيضا للقيام باستثمارات ضخمة فى الطاقة النظيفة.
أما بالنسبة لشركة “بى بي”، فهى تواجه تحديا مشابها، بالإضافة إلى بعض الثغرات الأمنية القديمة.
إعادة تنقيح الأسعار
عدلت شركة “بى بي” افتراضاتها السعرية للفترة بين عامى 2021-2050 إلى 55 دولارا لبرميل خام برنت و 2.90 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية للغاز الطبيعى الأمريكي.
لكن افتراضات “بى بي” ليست الأعلى بين نظيراتها الأوروبية، فقد قالت شركة “إكوينور” النرويجية، التى خفضت أرباحها، إن سعر خام برنت يمكن أن يصل إلى 80 دولارا للبرميل لعام 2030، مع الإشارة إلى أن المرة الأخيرة التى خضع فيها هذا السعر إلى تحديث كانت فى الربع الثالث من العام الماضى كما أنه يخضع لاختبارات سنوية مقابل سيناريوهات وكالة الطاقة الدولية.
وأشارت “بلومبرج” إلى أن كل شركة تكافح مع التحولات طويلة المدى فى استهلاك الطاقة وأسعارها، ولكن الإعلانات الأخيرة الصادرة عن “بى بي” و”شل” تعتبر استجابة حقيقية لهذا التحدي، موضحة أن بعض شركات البترول الكبرى تخضع إلى نفس الحاجة الملحة للتكيف مع الظروف المحيطة وليس كلها.