معلوم أن الوباء سيمر على البعض «أفضل» من غيرهم، فالارتفاع الصاروخى فى الطلب على التسوق عبر الإنترنت أدى إلى ارتفاع ثروة الملياردير جيف بيزوس مؤسس «أمازون» بمقدار 31 مليار دولار منذ نهاية 2019، وفقاً لمؤشر «بلومبرج» للمليارديرات.
وفى الواقع 8 من أصل أكثر 10 أشخاص شهدوا أكبر نمواً فى ثرواتهم فى 2020 فى المؤشر هم من قطاع التكنولوجيا، وتمتع الأمريكى من أصل صينى إريك يوان بواحدة من أكبر الزيادات بنسبة %140 لتصل ثروته إلى 8.5 مليار دولار، وهو المؤسس والمالك المشترك لتطبيق «زوم» للمؤتمرات عبر الإنترنت.
وفى القطاعات الأخرى – رغم الخسائر فى قطاع الطاقة – تعافت شريحة فاحشى الثراء بشكل جيد، ويشير تقرير بعنوان مثير للانتباه «كنوز المليارديرات فى 2020» أجراه مركز الأبحاث الأمريكى، معهد الدراسات السياسية، إلى أنه ما بين 18 مارس – أى قرب قاع الضربة المالية من الوباء – و10 أبريل تعافت ثروة 10 مليارديرات أمريكيين بمقدار 282 مليار دولار إلى 3.229 تريليون دولار.
وهى زيادة ليست مدفوعة بالكامل من قطاع التكنولوجيا فحسب، فجرايم هارت، أغنى رجل فى نيوزيلاندا، أضاف ما يقرب من 4 مليارات دولار إلى ثروته فى 2020 ليصبح صافى ثروته 11 مليار دولار، وهو مستثمر يركز على صناعة الأوراق وعلب التعبئة.
ومع ذلك، ثمة بعض الخاسرين خسارة شديدة بالأخص فى قطاعات مثل البترول والغاز والسلع الفاخرة، حيث انهار الطلب، ومن بينهم بيرنارد أرنو، المدير التنفيذى لمجموعة «لويس فيتون إم أتش»، وأمانسيو أورتيجا، مؤسس مجموعة الموضة «انديتكس»، والمستثمر الأمريكى وارن بافيت. ووفقاً لمؤشر بلومبرج، خسر أرنو أقل من 22 مليار دولار بحلول يونيو، وبافيت 18 مليار دولار، وأورتيجا 18 مليار دولار.
وقال بافيت، إنه يعتقد أن الولايات المتحدة سوف تتعافى رغم أنه تخلص من أسهم شركات الطيران، وأحد عباراته الشهيرة هي: «يمكنكم المراهنة على أمريكا، ولكن يجب أن تكونوا حريصين حول كيفية رهانكم».
وتشير وجهة نظر بافيت – وهى أنه على الأجل الطويل معظم المستثمرين سيكونوا بخير- إلى الصورة الأكبر. وإذا نظرنا إلى الأزمات العالمية الأخيرة قبل الوباء ستجد أن الأثرياء وفاحشى الثراء كانوا أفضل حالاً بكثير، ووفقاً لمركز «بيو» للأبحاث، ومركز دراسات أموال المستهلكين، وكلاهما فى الولايات المتحدة، كانت ثروة الأسر الأمريكية فى منتصف سلم الدخل أقل من 2016، مما كانت عليه فى 1998.
ما بين 18 مارس و10 أبريل تعافت ثروة 10 مليارديرات أمريكيين بمقدار 282 مليار دولار
أما هؤلاء أسفل سلم الدخل كان حالهم أسوأ، وعلى النقيض تمكنت الأسر مرتفعة الدخل من زيادة ثرواتها من 2001 إلى 2016 بنسبة %33.
واستفاد فاحشو الثراء من سياسات الأموال الرخيصة التى تبناها الاحتياطى الفيدرالى والبنوك المركزية الأخرى بعد 2008، والتى ساعدت فى تعزيز أسعار الأصول بما فى ذلك الأسواق المالية والعقارات، والأشخاص فى الشريحة المتوسطة لم يكن أداؤها جيداً، بسبب تركز بعض أكبر المكاسب فى المنتجات الاستثمارية الأجدد مثل الاستثمار المباشر، حيث كان للأثرياء السبق.
وعلاوة على ذلك، استفاد الأثرياء من مزيج قوى الرقمنة والعولمة واللتان كافئتا أصحاب رؤوس الأموال من المصرفيين والمحاميين وغيرهم من المستشارين بينما أصحاب الأجور فى الدول المتقدمة تخلفوا عن الركب، ولانزال فى بداية الوباء، ولكن الأثرياء يبدو وضعهم أفضل بكثير، خاصة بعدما تعهدت البنوك المركزية – مثلما فعلت من قبل – بأن تقوم بكل ما يتطلبه الأمر وهدأت تقلبات الأسواق.
وهناك آلية متكررة وهى كون الأثرياء مستعدون دوماً لركوب موجة التعافى، ففى شهر مايو الماضى، نقلت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن أكبر منصات صناديق تحوط أمريكية ومنها «إيزى انجلاندر»، و«ميلينيوم ماندجمينت»، و«كين جريفينز سيتادل»، ستخرج من الأزمة كبعض أكبر الرابحين فى القطاع.
وهذا يعد جزءاً من القصة فقط، فالوظائف الاقتصادية عالية الراتب أثبتت تكيفها بنجاح مع العمل من المنزل، لذا أصبح لدينا ظاهرة المستشارين والمحامين – الذين يقدمون استشارات عادة للمستثمرين الأثرياء – الذين يعملون بسعادة من المنازل التى يمتلكونها.
وفى الوقت نفسه، فإن العاملين فى قطاع الضيافة والتجزئة والذين يعيش أغلبهم فى شقق بالإيجار تم إعطائهم إجازة دون مرتب أو أسوأ من ذلك، كما يخضع العاملون فى قطاع التصنيع لتهديد الصدمة فى صناعات رئيسية مثل الطيران.
“صندوق النقد” يقول إن أوبئة القرن الـ21 ستعزز عدم المساواة وتحابي الأفضل تعليماً
ورغم أن بعض الوظائف منخفضة الراتب مثل سائقى التوصيل والممرضات صمدت، إلا أن الوباء عزز المخاطر الصحية لهم.
إذن.. هل تضر الأزمات بالأثرياء على الإطلاق؟
تسبب انهيار 1929 فى معاناة بعض الأغنياء بشكل رهيب، وانتحر روبرت سيرل، رئيس شركة «روتشيستر» للغاز والكهرباء، بعدما خسر 1.2 مليون دولار، بينما أطلق جيمس جى ريوردان، رئيس شركة «كاونتى تراست» النار على رأسه.
ولكن بالعودة إلى القرن الرابع عشر نجد أن الموت الأسود (الطاعون) كافأ الفقراء بشكل كبير على حساب الأغنياء، من خلال زيادة أجور الفلاحين، رغم أن ذلك جاء بتكلفة عالية وهى القضاء على ثلث سكان العالم. ومع ذلك، لا يبدو أن فيروس كورونا سيفعل ذلك، ويقول صندوق النقد الدولى، إن أوبئة القرن الـ 21 ستعزز عدم المساواة وتحابى الأفضل تعليماً.
ويضيف أن الحل هو نوع من «الصفقات الجديدة» التى تتضمن بعض التدابير مثل توسيع أنظمة المساعدات الاجتماعية وتعزيز برامج العمل العامة والتدابير الضريبية التصاعدية، وبخلاف ذلك، سوف يظل هؤلاء من يحظون بـ«وباء جيد» هم من يحظون بعام جيد كل عام.