عندما بدأ الناس فى الجزائر، يموتون جراء الإصابة بفيروس كوفيد-19، خلال مارس، دعا المتظاهرون إلى وقف التظاهرات الأسبوعية التى هزت البلاد لأكثر من عام وأطاحت بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، خصوصا أن الوباء أدى إلى تفاقم الشعور بالضيق الاقتصادى الذى آثار الاضطرابات من البداية.
وتعتمد الجزائر بشكل كبير على صادرات البترول والغاز. ولكن تفشى الوباء فى جميع أنحاء العالم أدى إلى انخفاض الطلب على المحروقات وانخفاض الأسعار أيضا، مما وجه ضربة للاقتصاد الهش بالفعل.
وحتى قبل الجائحة، أدى انخفاض عائدات البترول والغاز إلى عرقلة قدرة الحكومة على خلق الوظائف والإنفاق على الخدمات، ووصلت معدلات البطالة- وفقا لأرقام البنك الدولي- إلى %11.5 خلال العام الماضى.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية أن السلطات الجزائرية وعدت من قبل بتنويع الاقتصاد، لكن المعارضين يقولون إن النظام يرفض الإصلاحات التى من شأنها أن تخفف قبضته على الاقتصاد وتمكن القطاع الخاص الضعيف فى البلاد.
وفى هذا الصدد، أشار محلل السياسة العامة فى مؤسسة «نبنى» الفكرية الجزائرية، مبروك عيب، إلى أن الحكومة لم تقدم أى سياسات جديدة لفتح السوق أو تسهيل الأعمال التجارية، بل إنهم يقدمون الشيء نفسه وينتظرون ارتفاع أسعار البترول مرة أخرى.
وتعتبر الجزائر ثالث أكبر مُصدر للغاز الطبيعى إلى أوروبا، كما أنها تستمد أكثر من %93 من عائداتها المقومة بالعملات الأجنبية من صادرات البترول والغاز، حيث حافظت المواد الهيدروكربونية على صفقة غير مكتوبة تدعم النظام السياسى للبلاد لسنوات طويلة ضخت خلالها الدولة مليارات الدولارات ضمن الإعانات والمساعدات.
وأشارت الصحيفة إلى أن المحللين يشعرون بالخوف من إمكانية مواجهة الجزائر لأزمة خطيرة، فى ظل تفريغ خزائنها من العملات الأجنبية، إذ انخفضت الاحتياطيات الأجنبية للبلاد من 200 مليار دولار تقريبا فى عام 2014 إلى 62 مليار دولار قبل اندلاع الوباء، ويأتى القلق من إمكانية نفاد الاحتياطيات فى غضون عامين، مما قد يصدم الاقتصاد الذى يعانى فيه ربع الشباب تقريبا من البطالة.
ويتوقع صندوق النقد الدولى انكماش الاقتصاد الجزائرى بنسبة %5.2 هذا العام، فضلا عن ارتفاع العجز المالى للبلاد إلى %20 من الناتج المحلى الإجمالى، كما خفضت الحكومة إنفاقها إلى النصف فى الشهر الماضى، لكنها وعدت بأنها لن تمس نظام الدعم الشامل الذى يغطى الغذاء والطاقة والإسكان.
واستبعد رئيس الوزراء السابق عبد المجيد تبون، الذى أصبح رئيسا للبلاد فى ديسمبر الماضى، إمكانية الاقتراض من صندوق النقد، بحجة أنه سيحد من قدرة البلاد على اتباع سياسة خارجية مستقلة.
وفى هذا الصدد، اقترح مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى فى صندوق النقد الدولى، جهاد أزعور، حاجة الجزائر إلى اعتماد إصلاحات اقتصادية لتعزيز الاستثمار الخاص والأجنبى لتضييق عجز الحساب الجارى وخلق فرص العمل، بدلا من اللجوء للاقتراض.
قال أزعور، إن الوقت المناسب قد حان بالنسبة لبلد كان يعانى قبل الأزمة من عدد معين من نقاط الضعف الاقتصادية، مشيرا إلى ضرورة تسريع الإصلاحات، خاصة أن الجزائر تتمتع بإمكانات هائلة.
ويحذر المحللون من صعوبة بدء الإصلاحات بمجرد نضوب الاحتياطيات، حيث قال تين هينان القاضى، الباحث فى «تشاتام هاوس» فى لندن، إن الموارد المالية الجزائرية تذوب مثل الثلج تحت الشمس، لذا حان الوقت للحكومة لتبنى رؤية طويلة الأجل والاستثمار فى صناعات مثل الطاقة الشمسية والتكنولوجيا الرقمية والزراعة والسياحة.