سلط أسبوع متقلب آخر في سوق الأسهم الأمريكية، الضوء على واقع غير مريح لم يستوعبه المستثمرون بعد، وهو أن الأسهم لا ينقصها فحسب المحركات التي تدفعها لأعلى، وإنما أيضاً الدعائم لمواصلة ما كان انفصالاً مدهشاً بين الأسعار المرتفعة والتحديات الاقتصادية وواقع الشركات.
وعلى ما يبدو، استهلك السوق 3 محركات قوية للعائدات، وهي الدعم السياسي والأسس الاقتصادية وتدفقات مستثمري التجزئة.
وبدأ المستثمرون يبحثون عن وقود جديد للسوق الذي لا يفتقد إلى الزخم فحسب، وإنما إلى عوامل الاستقرار أيضاً. ويأمل المستثمرون في أن الاحتياطي الفيدرالي سيتدخل للإنقاذ مجدداً بجولة جديدة من الدعم السياسي.
وأثبت هذا “العامل الفيدرالي”، أنه فعال للغاية في السابق، في قمع التقلبات والتشجيع على تحمل مزيد من المخاطر وجذب المزيد من الاستثمارات، وتكمن الخطورة في أن البنك المركزي يشعر بأنه مضطر لانتظار المزيد من العلامات على المشكلات في السوق قبل أن يمدد استجابته الممتدة بالفعل إن لم تكن مفرطة التمدد.
وأخذ التراجع الأسبوعي بنسبة 3% لمؤشر “ستاندرد آند بورز 500” العائدات إلى المنطقة السلبية ويعرض المستثمرين لتقلبات يومية هائلة، ولايزال التباين بين أداء المؤشرات الرئيسية هائلاً.
فمؤشر “ناسداك” لايزال مرتفعاً بنسبة 3% خلال الشهر الحالي، في حين تراجع مؤشر “داو جونز” بنسبة 1%، وهذا التباين أدى إلى مكاسب بنسبة 9% لمؤشر “ناسداك” حتى الآن منذ بداية العام الحالى، مقابل خسائر بنسبة 11% لمؤشر “داو”، و6% لستاندرد آند بورز 500.
استهلك السوق 3 محركات قوية للعائدات وهى الدعم السياسى والأسس الاقتصادية وتدفقات مستثمرى التجزئة
وخلف هذه الأرقام محركات – التي كانت متلاحقة أو متداخلة في بعض الأوقات، والتي سحبت بشكل مبهر المؤشرات الثلاثة من مستوياتها المتدنية في 23 مارس، ولكنها فقدت زخمها بعد 8 يونيو، عندما وصل “ناسداك” لأعلى مستوى على الإطلاق.
وتحول “ستاندرد آند بورز 500” لوقت قصير إلى المنطقة الإيجابية، ومنذ ذلك الحين فقد “ستاندرد آند بورز 500″ 7%، و”داو” 9%، و”ناسداك” 2%.
وقادت موجة الارتفاع الأولى بعد 23 مارس، التدخلات المالية والنقدية الاستثنائية بما في ذلك المساعدات النقدية غير المتصورة من قبل والتوسع الكبير في مجال ونطاق التدخل المباشر من جانب “الفيدرالي” في تسعيرات السوق والأداء.
ورغم أن أغلب الأسهم استفادت، تركز الأداء الأفضل بين شركات “المكوث في المنزل”، بما في ذلك شركات التكنولوجيا الكبيرة وهو على الأغلب ما دعم مؤشر “ناسداك”.
أما المرحلة الثانية، فقادتها الأسس الاقتصادية وأسس الشركات، وارتفعت مؤشرات النشاط الاقتصادية وما يرتبط بها من توليد إيرادات الشركات، ما أدى إلى رفع أسعار الأسهم المنهارة مثل أسهم خطوط الطيران وحتى أسهم شركة “هيرتز” لتأجير السيارات والتي في خضم عملية إفلاس.
وكانت المرحلة الثالثة والأخيرة تقنية أكثر وهيمن عليها الانخراط الأكبر للمستثمرين الأفراد وازدادت حدتها نتيحة تأثير “الخوف من تفويت الفرصة” الذي كان حاضراً لفترة بين المؤسسات الاستثمارية التي أصبحت أكثر حذراً.
لايزال “الفيدرالى” قلقاً بشأن آفاق الاقتصاد.. ولكن النطاق الهائل لتدخلاته السابقة جعله يخضع للانتقادات مجدداً
وتبدو المحركات الـ3 الآن، أقل فعالية.. كما أنها تسرق الدعائم من سوق الأسهم.
وبدد تقرير العمالة الجيد على نحو صادم، الحاجة، لمزيد من التحركات السياسية المالية، ولم يؤد فحسب إلى انقسام الكونجرس بشأن ما ينبغي فعله فيما بعد وإنما يهدد بإنهاء مدفوعات الإغاثة للأسر والشركات في الأسابيع القليلة المقبلة.
ولايزال “الفيدرالي” قلقاً بشأن آفاق الاقتصاد، ولكن النطاق الهائل لتدخلاته السابقة جعلته يخضع للانتقادات مجدداً، وثمة مخاوف بشكل خاص تتعلق بمغامرته بشراء السندات دون الدرجة الاستثمارية، وهي الشريحة من سوق الائتمان ذات مخاطر التعثر العالية، وتعرض الفيدرالي لانتقادات لتشجيعه الشركات على إصدار السندات بكميات هائلة وتشجيع الدائنين والمستثمرين على التحمل المفرط للمخاطر.
وفيما يتعلق بالأسس الاقتصادية، واجهت عملية إعادة فتح الاقتصاد مشاكل في عدة ولايات منها أريزونا وكاليفورنيا وفلوريدا وساوث كارولينا وتكساس، وتسبب الارتفاع في عدد الإصابات لمستوى قياسي في عكس السلطات لعمليات إعادة الفتح، وحتى قبل ذلك أظهرت المؤشرات الاقتصادية أن بعض الأسر تحجم بالفعل عن التفاعلات الاقتصادية المادية، وعلى صعيد الشركات، أعلنت “أبل” إنها سوف تغلق متاجر محددة.
وأدى كل ذلك إلى إحباط حماس المستثمرين الأفراد الذين عززوا ارتفاع الأسهم المتخلفة عن الركب، ونتيجة لذلك انقلب الأداء المتفوق للسوق في الأسابيع الماضية وتحول إلى نهج أكثر ضيقاً وهو التركيز على أسهم “المكوث في المنزل”.
وحتى ذلك يمكن أن يصبح أكثر ضيقاً، في ظل نمو عدد الشركات الأمريكية التي تعلن انها تعلق إعلاناتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبغياب محفز جديد، ستفتقر الأسواق لكل من المحركات والدعائم، وستهوي على الأغلب في اتجاه هبوطى، وفي ظل ضعف احتمالات التحسن القريب في الأسس الاقتصادية نتيجة “كوفيد 19″، ستتعلق آمال المستثمرين مجدداً على السياسات وخصوصاً الدعم من “الفيدرالي”.
لكن في ظل الانفصال الشديد بين أسعار الأصول المرتفعة والأسس الاقتصادية، وفي ظل جذب التباين بين أداء “وول ستريت” والاقتصاد الحقيقي للمزيد من الانتباه والقلق السياسي والاجتماعي، قد يتبين أن دعم “الفيدرالي” هو مزيد من الأموال بمقدار أكبر من تصورات المستثمرين.
بقلم: محمد العريان، المستشار الاقتصادى لمجموعتى “أليانز”، و”جرامسري”، ورئيس كلية “كوينز” بجامعة “كامبريدج”.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”