تعاني العديد من الشركات في الولايات المتحدة، في الوقت الحالي، من نوع مختلف من الأزمات، فهي لديها نماذج عمل قوية للأوقات الطبيعية.. ولكن الوباء جعلها تموت ببطء كضحايا لمشكلات ضعف الطلب والعرض.
وهذه الشركات ليست منهارة أو معيبة هيكليا، وإنما تخضع صحتها لتهديد الظروف الاستثنائية، وهي ليست محكوم عليها بالهلاك، وإنما مريضة فقط.
وتبحث العديد من هذه الشركات، عن استراتيجيات للنجاة وتجنب التصفية المدمرة لأصولها، وهو ما يعني أنها أكثر انفتاحا مما كانت قبل الأزمة، لعمليات الاستحواذ والدمج.
ولكن موجة من تلك الصفقات، رغم أنها أفضل من ترك الشركات المتعثرة لتموت، ستزيد حدة عدم المساواة الاقتصادية التي أصبحت لعنة هذه الدولة.
ولذلك نحن بحاجة إلى تصور طرق لإنقاذ الشركات في الوقت الحالي.
وتكمن مخاطر بعض الحلول، في أنها دواء سيئ بقدر المرض. فإنقاذ الشركات المتعثرة من خلال الديون الرخيصة سيقود إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الأمريكي ، نحو مراكز أقل من تركز الشركات.
وهذا الاندماج سيؤدي بدروه إلى زيادة القوة المفرطة بالفعل للشركات، ويوسع الفجوة الكبيرة بالفعل أيضا بين الأغنياء والفقراء.
وهو درس تعلمناه في الأزمة الاقتصادية السابقة منذ 12 عاما والذي ترك كذلك العديد من الشركات الجيدة في وضع ضعيف أو متعثر.
موجة من صفقات الدمج والاستحواذ رغم أنها أفضل من ترك الشركات المتعثرة لتموت.. إلا أنها ستزيد حدة عدم المساواة الاقتصادية التي أصبحت لعنة الولايات المتحدة
وجزء من الحلول الضمنية وأحيانا الصريحة للحكومات، هي التشجيع على الاستحواذات والاندماجات من خلال توفير الديون الرخيصة.
وهذه الأحوال حفزت تركزا كبيرا في الصناعات خلال العقد الماضي، مما ترك العديد من القطاعات في الاقتصاد الأمريكية يهيمن عليها ثلاث أو أربع شركات ضخمة أو حتى شركات إقليمية احتكارية. وهذه هي قصة خطوط الطيران وخدمات القنوات التلفزيونية والزراعة، وخطوط تشغيل الهواتف المحمولة والأدوية واللحوم وغيرها من القطاعات.
وكانت المشكلة في منتصف العقد الماضي، أن العديد من الاقتصاديين، بدأوا القلق من أن الاقتصاد تمت إعادة هيكلته بطريقة تساهم في عدم المساواة في الثروة والدخل.
ونظريا من المفترض أن يؤدي شراء شركة من قبل شركة خاصة أخرى ، إلى زيادة الكفاءة وفرص النمو والتوظيف.
لكن عمليا كان شراء شركة في وضع متعثر نسبيا بهدف خفض التكاليف ينتج عنه تسريح للعمال واسع النطاق وإضعاف أو تدمير النقابات والضغط على صناديق المعاشات.
وتتسبب موجات الاندماح في المشكلة نفسها ولكن بطريقة أخرى. فالصناعة شديدة التركيز يمكن أن تولد أرباحا أعلى مع القليل من المنافسة، وهو ما يضر المستهلك.
كما أن الصناعات المركزة تحبط الأجور من خلال التنسيق تكتيكيا لجعل الأجور متدنية، وفي الوقت نفسه، تستخدم الأرباح الأعلى لرفع أجور المديرين التنفيذيين ومكافأة المساهمين بتوزيعات أرباح أو بإعادة شراء أسهم.
كما أن صفقات الدمج والاستحواذ تكون مربحة للمصرفيين والمحامين الأثرياء بالفعل، والذين يرتبون الصفقات.
وتشجيع موجة من الدمج والاستحواذ لمساعدة الشركات المتعثرة خلال الأزمة الاقتصادية الحالية، يمكن أن يقود إلى تعافي اقتصادي مبهر بشكل مصطنع، أي ارتفاع في سوق الأسهم وتوزيعات الأرباح للمساهمين.. لكنه سيدمر بقايا الطبقة المتوسطة في البلاد. وقد يبدو أن مشكلة عدم المساواة الاقتصادية في أمريكا لا يمكن أن تسوء أكثر، ولكنها قد تسوء.
فهل توجد بدائل أخرى قابلة للتطبيق لإنقاذ الشركات المتعثرة؟ أوليس تعزيز المراكز المالية حتميا بشكل أو بآخر؟
لم نقابل منذ الكساد الكبير مثل هذه المشكلات على نطاق واسع.. لذا ليست لدينا حلول مجربة نعلم أننا نستطيع الاعتماد عليها، ولكن على الأقل ثمة أربعة أفكار.
الأولى، أن تتجنب الحكومة وهي تقدم المساعدات، دعم موجات الاندماج والتسريحات الجماعية، وألا يتم السماح للشركات التي تستخدم الأموال العامة أن تعد شركتها للبيع أو تمول بهذه الأموال استحواذات.
ويجب استخدام الأموال المقدمة من وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي فقط لمساعدة الشركات القابلة للحياة، على النجاة، حتى يعود الاقتصاد إلى طبيعته نوعا ما.
والفكرة الثانية، أن يجد المستثمرون الذين وضعوا أكثر من 12 تريليون دولار في الاستثمارات “المسئولة اجتماعيا” – التي تركز عادة على مشكلات مثل التغير المناخي – طرقا لتحويل مجهوداتهم تجاه إنقاذ الشركات المريضة.
وتخيلوا إذا تم إنشاء صناديق مسئولة اجتماعيا تعادل “الصناديق الانتهازية” والتي يكون هدفها مساعدة الشركات على التعافي مع الاحتفاظ بعمالتها ثم تختفي في وقت الغروب مثل حراس الغابات.
والثالثة، أن تشجع الحكومات والقطاع الخاص على حد سواء، ويمولوا موجة من “استحواذات العاملين” من خلال سيطرة الموظفين على شركة سليمة هيكليا ولكن تعاني من أزمة في الوقت الحالي. وتكمن مشكلة الاستحواذات التقليدية في أنها عادة ما تضر بالموظفين، ولكن “استحواذ العاملين” يمكن أن يستخدم أساليب الاستثمار المباشر لإعطاء الموظفين حصة من أرباح الشركات.
وبالنظر إلى أن استحواذات العاملين نادرة ومعقدة، يمكن أن يشجعها الكونجرس من خلال تخصيص بعض من بعض من أموال التعافي لاستثمارات حقوق الملكية من قبل الموظفين الراغبين في شراء حصة من شركتهم.
أما الفكرة الأخيرة.. فهي إنفاض قواعد مكافحة الاحتكار الحالية بقوة أو من خلال سن قواعد جديدة على الاستثمار المباشر، ولا تكمن الفكرة في منع جميع عمليات الانقاذ وإنما تلك الأكثر احتكارية بشكل صارخ: فهل المشتري هو منافس مباشر؟ وهل يسيطر بالفعل على المنافسين الآخرين في نفس القطاع؟
وفي الوقت الحالي لا يزال الاقتصاد في حالة صدمة وتسبب عدم اليقين في حالة من الجمود للمشترين، أي بمعنى آخر لا يزال هناك كثير من الوقت للتحرك.
وللأسف تعد احتمالية تفاقم عدم المساواة في الثروة والدخل في الولايات المتحدة خطرا لا تهتم به حكومة الرئيس دونالد ترامب، ولكن بالتأكيد إذا كررنا أخطاء العقد الماضي، سيصبح الأغنياء أكثر غنى والفقراء أكثر فقرا وستختفي الطبقة المتوسطة شيئا فشيئا، وسيؤدي الصراع الناتج إلى جعل المستويات الحالية من الاستياء في أمريكا هي بمثابة الأيام الجيدة القديمة.
بقلم: تيم وو، أستاذ القانون في جامعة “كولومبيا” وكاتب مقالات رأي.
إعداد: رحمة عبدالعزيز.
المصدر: صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.