بعد سنوات من المفاوضات الصعبة في كثير من الأحيان، قدمت الأرجنتين يوم الأحد الماضي عرضا جديدا لدائنيها والذي يقدم فرصة لتسريع واحدة من أكبر عمليات هيكلة الديون السيادية في تاريخ الأسواق الناشئة.
ومن خلال إزالة الغموض الكبير المتعلق بقدرة الدولة على النمو بقوة وشمولية – بشكل مباشر فيما يتعلق بالأوضاع المالية للحكومة وغير مباشر فيما يتعلق بتحسين آفاق نمو نشاط القطاع الخاص – فإن الحل المنظم والتعاوني الذي قدمته يمكن أن يساعد في التغلب على التحديات الاقتصادية القائمة منذ وقت طويل والتي تفاقمت مؤخرا بسبب كوفيد 19.
وسوف يمهد المقترح، الطريق لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي لعب دورا حيويا في دعم الأرجنتين بتحليلات فنية قيمة وتوفير مصداقية الطرف الثالث في المفاوضات، أضف إلى ذلك احتمالية تقديم تجربة الأرجنتين لـ”مثال توضيحي” مفيد لحالات أخرى في الأسواق الناشئة، وقد تكون النتيجة هي الفوز للجميع في تناقض حاد مع أخر عملية إعادة هيكلة كبيرة للديون في البلاد.
وورثت حكومة ألبرتو فيرناندير المنتخبة حديثا في ديسمبر وضعا سيئا وبدأت في مفاوضات مع الدائنين، وكان الهدف هو إعادة هيكلة جزء من الديون وإعادة توزيع مدفوعات خدم الديون بما يتناسب مع تحقيق الأرجنتين الهدف الصعب المتعلق بالنمو بشكل سريع وشمولي بما يكفي لرفع مواطنيها من براثن الفقر، وإطلاق إمكانات الموارد البشرية وغيرها من الموارد الهائلة في الدولة ووقف ما كان تراجعا محبطا لعقود عدة في المركز الاقتصادي العالمي للدولة.
ووفقا لحسابات شركة “جرامسري فاند ماندجمينت”، ستتمكن الدولة من الاتفاق على خفض كبير في التزامات خدمة الدين التعاقدية،وهو ما سيوفر لها تخفيفا في صورة تدفقات نقدية تصل إلى 40 مليار دولار على مدار أول 10 سنوات أي ما يعادل حوالي 9% من الناتج المحلي الإجمالي، ومع إعطائها فترة سماح لمدة خمس سنوات بعدم دفع أساسي القروض وإنما دفع فائدة بنسبة 2%، سيكون لديها وقت كاف لإعادة توزيع الموارد لدعم الإصلاحات الهيكلية والإنفاق على القطاع الاجتماعي وبرامج الإغاثة من الفقر.
وفي مقابل التنازل عن بعض المطالبات التعاقدية، سيكون الدائنون في وضع أفضل للحصول على مدفوعات وفقا للشروط الجديدة، كما سيتجنبون نوع التعثر غير المنظم الذي يدمر قيم الأصول ويجبر على التصفية المزعجة للمحافظ الاستثمارية، وبالنسبة لحملة السندات، فإن ذلك سيضعف قيمة الاسترداد المستقبلية من خلال تأجيل قدرة الأرجنتين على النمو.
وبالفعل يتعين على الدائنين مقارنة صافي القيمة للعرض الأرجنتيني الحالي (وهو تقديم حوالي 53.5 سنت لكل دولار) مع نتيجة إعادة الهيكلة الفوضوية في 2005، وأفترض أن هذه المقارنة ستضيف أهمية خاصة في الوقت الذي يعد فيه التحدي الأكبر هو حشد دعم كافي من الدائنين للعرض الأرجنتيني.
وأعتقد أن المقترح على الأرجح سيكون مرحبا به داخل الدولة وخارجها ومن قبل دائنيها، فهو يؤكد على أن الأرجنتين وصندوق النقد الدولي – الذين لم يكونا على وفاق في الماضي – يمكن أن ينخرطا في تفاعلات متبادلة داعمة وفنية والتي تضع الأساس للثقة، وهو ما سيساعد في تشكيل سياق بنّاء لما يتوقعه الكثير من الاقتصاديين والمحللين أن يكون موجة متزايدة من عمليات إعادة هيكلة سيادية في بعض الاقتصادات الناشئة الأخرى.
وتضمن التسوية التي ظهرت بعد شهور من المفاوضات الصعبة الدعم من قبل الأرجنتين ودائنتيها، وبالتاكيد فإن هذه التسوية أقل مما أراده أي من الطرفين في البداية.. ولكن لن يكون من مصلحة أحد على المدى البعيد أن يدع الأفضل نظريا يكون عدوا للجيد الممكن تحقيقه عمليا، وما يوجد على الطاولة اليوم هو أفضل كثيرا من البديل الذي وفقا لكل الاحتمالات سيتسبب في مزيد من الألم للجميع ويوجه ضربة قاسية بشكل خاص للشرائح الأكثر ضعفا في المجتمع الأرجنتيني.
بقلم: محمد العريان، مستشار اقتصادي لمجموعتي “أليانز” و”جرامسري”، ورئيس كلية “كوينز” بجامعة “كامبريدج”.
إعداد: رحمة عبدالعزيز. المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”