10 تريليونات دولار أو 49% من الناتج الاقتصادى مستحقات على قطاع الأعمال
مع انتهاء حرب فيتنام عام 1973، كان حظر البترول يهدد أسس الاقتصاد الأمريكي، إذ كانت محطات البنزين جافة وأصبحت الطرق السريعة خالية.
وفي ظل ذلك، أدرك المسئولون التنفيذيون في شركة “هرتز” الأمريكية لتأجير السيارات، المعروفة آنذاك بنظام الحجز المحوسب الرائد، أن شركات النقل ستكون حتماً ضمن أول الضحايا.. وكان رد “هرتز”، أنها مثقلة بالديون.
في غضون أسابيع من بدء الحظر، كانت “هرتز” تبيع المركبات التي تستهلك كميات كبيرة من الغاز، والتي كانت تشكل 3 أرباع أسطولها، وتقترض بشدة لاستبدالها بسيارات أصغر وأكثر كفاءة، لتثبت تلك المقامرة نجاحها بشكل كبير.
وفي العام التالي، عندما دمرت صدمة أسعار البترول، المنافسين، واندلعت موجة من الركود التضخمى، حيث يمتزج التضخم المرتفع مع النمو المنخفض- سجلت “هرتز” أرقاماً قياسية جديدة في الإيرادات والأرباح، ثم سرعان ما استأجرت إدارة الإعلانات في الشركة رياضياً شاباً يدعى “أو جيه سيمبسون”، وأعلنت نفسها “نجمة تأجير السيارات”.
ولكن بعد نصف قرن تقريباً، أفلست “هرتز”، ضحية تفشي جائحة فيروس كورونا، التي أثرت سلباً على أجزاء كبيرة من الاقتصاد العالمي، ولم تستطع الشركة، التي كانت توظف 38 ألف شخص العام الماضي وتعمل من 12 ألف موقع تقريباً، الهروب من كومة الديون التي تقدر بـ 17 مليار دولار.
وحصلت سلاسل تأجير أخرى على قروض جديدة، للنجاح في النجاة من موجة الجفاف التي أصابت حجوزات السفر.. لكن قدرة “هرتز” على الاقتراض تم إنفاقها بالفعل.
فبعد 15 عاماً من الهندسة المالية العدوانية، كانت الشركة مدينة بمبلغ 12.400 دولار لكل سيارة بقيمة 10 آلاف دولار، وجاءت أموال كثيرة من الأدوات المالية المعقدة، التي سمحت للدائنين بالمطالبة باسترداد نقودهم عندما كانت الشركة أقل قدرة على تحمل الأمر.
وسلط هلاك “هرتز”، الضوء على التراكم الكبير لديون الشركات الأمريكية، إذ سجلت ديون الشركات الآن مبلغاً قياسياً يبلغ 10 تريليونات دولار، أي ما يعادل 49% من الناتج الاقتصادي.
وعند إضافة أشكال أخرى من ديون الأعمال التجارية، بما في ذلك إلى الشراكات والشركات الصغيرة، يرتفع هذا الرقم الاستثنائي بالفعل إلى 17 تريليون دولار.
حتى قبل تفشي الوباء، بدأ مستوى نفوذ الشركات يثير القلق، وأصدر صندوق النقد الدولي تحذيراً، لافتاً للنظر في نهاية العام الماضي يشير خلاله إلى أن ما يصل إلى 19 تريليون دولار من الديون التجارية في 8 دول، بقيادة الولايات المتحدة- أو 40% من إجمالي الديون- قد تكون هشة إذا كان هناك تباطؤ جوهري في الاقتصاد، وهو السيناريو الذي يبدو مألوفاً الآن.
ومع إقدام الشركات على الإعلان عن إفلاسها بأسرع وتيرة منذ عام 2013، اضطرت السلطات الأمريكية إلى اتخاذ تدابير استثنائية لإنقاذ الوظائف ومنع المزيد من الشركات من الانهيار، إذ تعهد البنك الاحتياطي الفيدرالي، في أبريل الماضي، بشراء تريليونات الدولارات من الديون، معظمها مستحق على قطاع الشركات، في حين وضعت الحكومة
برنامج قروض للشركات الصغيرة بقيمة 500 مليار دولار.
وأشارت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، إلى أن هذه هى المرة الثانية خلال ما يزيد قليلاً على عقد، التي يقوم فيها “الاحتياطى الفيدرالى” بتسخير القوة الكاملة لموازنته العمومية لدعم أسواق الائتمان المتداعية.
عكس أزمة عام 2008، لم يكن القطاع المالي هو السبب المباشر للاضطرابات، لكن خوفاً من حدوث انهيار أكبر بكثير، وجد “الاحتياطي الفيدرالي” نفسه مضطراً لدعم مجموعة واسعة من أدوات الدين، التي يتمتع بعضها يتمتع بجدارة ائتمانية مشكوك فيها.
ومع ذلك، وسط احتمالية وجود جيل جديد من شركات الزومبي غير قادرة على دفع فواتير فوائد السندات، يعيد الوباء إحياء الجدل حول ما إذا كان من المنطقي اقتصادياً تحمل قطاع الشركات مثل هذا الحجم الكبير من الديون، وما إذا كان هناك طريقة لتخفيفه دون التسبب في أزمة أوسع.
وأوضحت الصحيفة، أن إدمان الشركات على الديون تطور على مدى 5 عقود، بتشجيع من النظام الضريبي، وربما سارع قادة الشركات إلى تبني هذا الاتجاه مع مراعاة أجورهم.
كما اشترت صناديق التقاعد وشركات التأمين الديون بكميات كبيرة، في حين قامت شركات الاستثمار المباشر، بما في ذلك “كلايتون” و”دوبيلير أند رايس”، التي استحوذت على “هرتز” عام 2005، بتمويل عمليات الاستحواذ عبر الاستدانة، كما لو كانت تدير خط تجميع.
وكانت النتيجة تغييراً كبيراً في كيفية توجيه قنوات الادخار التابعة للاقتصاد الأمريكي، إلى رؤوس المال التي تغذي النمو الاقتصادى، ويمكن القول إنها جعلت الولايات المتحدة أكثر تنافسية.
ومع ذلك، يعتقد النقاد، أن التركيز الكبير على الهندسة المالية في العقود الأخيرة، ساهم أيضاً فى ضعف إنتاجية الاقتصاد الأمريكي.
وأشارت “فاينانشيال تايمز” إلى أن تفشي الوباء أبرز هشاشة الاقتصاد المبني على ديون الشركات في وقت الأزمة، إذ تجازف شركات عديدة الآن، بحفر حفرة أعمق لأنفسهم، فربما تساعدهم القروض الجديدة خلال أسوأ فترة من الإغلاق، لكن هذا يعنى أنها ستدخل مرحلة أضعف من النمو الاقتصادي مع ديون أعلى.
هندسة الواقع المالى الجديد
أعاد بائع سندات شاب تصور وظيفة أسواق الائتمان، وأطلق آلة دين من شأنها تغيير قواعد الأعمال التجارية، حيث كانت رؤية مايكل ميلكن تدور حول أن الإقراض للشركات عالية المخاطر بأسعار فائدة عالية قد يكون أكثر ربحية من جني عوائد موثوقة ولكن هزيلة من ديون الأبطال الصناعيين.
وبحلول نهاية السبعينيات، اتجه ميلكن إلى الانتقال من فكرة تداول السندات منخفضة التصنيف للغاية للشركات المتعثرة إلى اختراع شكل من أشكال رأس المال الاستثماري للشركات وإصدار ديون للشركات التي كانت احتمالاتها تعثرها عالية، لدرجة أن سنداتها قد تم تصنيفها على أنها غير مرغوب فيها منذ البداية.
وامتد جنون الديون إلى ما هو أبعد من السندات غير المرغوب فيها، التي كانت تصدر بمعدل 25 مليار دولار سنو