المناخ والأمن سيقودان الرغبة فى إنتاج الطاقة محلياً من الموارد المتجددة
يمكن تذكر العام الحالى على أنه نقطة انتقال طال انتظارها لقطاع الطاقة إلى مستقبل منخفض الكربون بشكل لا لبس فيه، فيمكن أن يظهر تحولاً فى جوهر الموضوع بعد أن كان مجرد نقاش مطروح على الطاولة.
ومن المؤكد، أن هذا الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفورى قد يستغرق وقتاً أطول، مما قد يرغب الكثيرون، لكن سرعة التغيير ستتجاوز التوقعات التقليدية الحالية.
وتعتبر جائحة فيروس “كورونا” مجرد أحد العوامل المدمجة فى القصة الأكثر تعقيداً، لكن المحرك الحقيقى يكمن فى الحكم الصادر من جانب قطاع الطاقة، خاصة شركات البترول والغاز التى تتخذ من أوروبا مقراً لها مثل “بى بى” و”شل” و”إكوينور” و”توتال”، لأسباب تجارية أساسية تدور حول ضرورة الانتقال إلى الجانب الأخضر من المستقبل، مما يعكس إدراك الشركات المستهلكة للطاقة فى العديد من القطاعات الصناعية الأخرى.
وأوضح نيك بتلر، الأستاذ الزائر بكلية “كينجز كوليدج لندن”، فى مقال نشرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن مقاومة التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة أمراً سيئاً، خاصة أن التفكير الجديد وصل إلى ذروته الآن، نظراً لفقدان مجموعة الدول المصدرة للبترول “أوبك” لقدرتها على التحكم فى أسعار البترول، بفضل ظهور فائض مستدام فى العرض المحتمل على الطلب.
وانخفضت أسعار البترول والغاز منذ عام 2014، ثم سجلت مزيداً من الانخفاض هذا العام بفعل الركود الذى أعقب تفشى كوفيد-19، وكانت النتيجة عمليات شطب ممتدة للأصول، حيث بلغت قيمة الأصول المشطوبة لشركة “شل” فقط 22 مليار دولار، مع إدراك أن العديد من المشاريع المخطط لها لم تعد صالحة من الناحية التجارية.
ومع ذلك، لاتزال هناك حاجة للبترول، فبالطبع لا يمكن استبدال الطلب بسهولة فى مجالات، مثل الشحن أو النقل الجوى.
وأشار بتلر إلى أن الاحتياطيات التى يمكن تطويرها بالأسعار الحالية تتركز فى منطقة الشرق الأوسط وغيرها من المناطق غير المستقرة، مثل فنزويلا وليبيا، حيث تتحكم الشركات الحكومية فى جميع هذه الإمدادات تقريباً، وبالتالى لا يمكن للشركات الدولية الوصول إليها.
ومن المرجح ازدياد الاعتماد على هذه المناطق، لكنها لن تكون جذابة من الناحية الاستراتيجية بالنسبة للدول المستوردة، فربما تكون الولايات المتحدة حققت الاكتفاء الذاتى الفعال، لكن أوروبا وآسيا، تستوردان الآن 50% من إجمالى البترول المتداول دوليا، لاتزالان تعتمدان على الموردين الخارجيين.
وتعتبر دول مثل الصين، التى تستورد 12 مليون برميل يوميا، واليابان، التى تستورد 3.7 مليون برميل يومياً، والهند التى ارتفعت وارداتها بمقدار الثلثين إلى أكثر من 5 ملايين برميل يومياً خلال العقد الماضى، هى الأكثر عرضة للخطر.
وأشار الكاتب إلى أن الأمن فى مجال الطاقة، فضلاً عن المخاوف بشأن المناخ، سيقودان الرغبة فى زيادة إنتاج الطاقة المحلية إلى الحد الأقصى.
وأوضح أن شركات الطاقة الحالية ستتنافس على هذه الأسواق، فالأمر ليس سهلاً، خاصة أن مثل هذه الشركات تحاول اتباع مجموعتين متضاربتين من الأفكار فى الوقت نفسه، كما أنه يتعين عليهم جمع الإيرادات من أصول البترول والغاز الحالية واتخاذ قرار متعلق بشأن أى العناصر فى سوق الطاقة منخفضة الكربون تقدم عوائد مستقبلية جذابة.
وبعد عقود من التركيز على الإنتاج، يجب على الشركات التكيف مع سوق تحدد فيه خيارات المستهلكين ما يتم تسليمه وطريقة تسليمه أيضاً.
ومن نواحى عديدة، تتقدم بعض هذه الشركات على الحكومات التى كرست معظم وقتها خلال العقد الماضى فى محاولة تحديد الاتفاقات العالمية المتعلقة بالحد من الانبعاثات الكربونية.
ومع ذلك، هناك دلائل تشير إلى أن التركيز قد تحول إلى تحدى صناعى والتسابق من أجل الميزة التنافسية فى بيئة طاقة جديدة شكلتها المعرفة والتكنولوجيا بدلاً من الموارد المتاحة.
وتتمتع الصين بالأفضلية فى الوقت الحالى، لكنها ستواجه منافسة من اليابان وألمانيا والمملكة المتحدة، حيث سيحصل مستثمرو الشركات على دعم من الحكومات التى تشعر بقلق متزايد بشأن الطموحات الصينية.
وتقوض كل هذه التطورات العديد من التوقعات التقليدية طويلة الأجل لمزيج الطاقة، فقد أظهرت أحدث نسخة من المراجعة الإحصائية الصادرة عن شركة “بى بى” أن المواد الهيدروكربونية، “البترول والغاز والفحم”، تشكل 80% من الطلب العالمى على الطاقة فى العام الماضى، وبالكاد تغيرت هذه النسبة خلال العقدين الماضيين، بعد أن كان هناك إجماع على أن الهيدروكربونات ستظل تمثل 70% أو أكثر فى غضون 10 أو 20 عاماً.
لكن من المؤكد، أن التحول فى الأولويات التجارية الناتج عن تفشى كوفيد 19 سيغير الجدول الزمنى.
وأظهر تقرير حديث صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أن الاستثمار العالمى فى الطاقة المتجددة هذا العام تفوق، للمرة الأولى على الإطلاق، على الاستثمار فى البترول والغاز.
وتبدو هذه المرحلة أكثر استعداداً للانتقال بشكل أسرع بكثير مما كان يُعتقد حتى وقت قريب، ويمكن مقارنة الأمر بالسرعة وإمكانية الوصول إلى ثورة تكنولوجيا المعلومات على مدار العقدين الماضيين.