تواجه الأرجنتين، نزوحا متزايدا للشركات متعددة الجنسيات، التي توصلت في النهاية إلى أن مزاولة الأعمال التجارية في ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، أمر معقد للغاية وغير مربح، حتى إذا تجاهلت فيروس كورونا.
لطالما كانت النقابات العمالية القوية، والسياسة المتقلبة، وضوابط الأسعار والعملة، وأشكال تدخل الدولة الأخرى ضمن السمات المميزة لمزاولة الأعمال التجارية في الدولة الأمريكية الجنوبية المعرضة للأزمات.. لكن الشركات الأجنبية، بداية من شركات الطيران إلى شركات صناعة السيارات، تغادر البلاد الآن في ظل الركود الاقتصادي للعام الثالث على التوالي ووجود حكومة جديدة تكافح الأعمال التجارية.
وفي هذا الصدد، أعلنت مجموعة خطوط لاتام الجوية، ومقرها سانتياغو، توقف رحلاتها الداخلية في الأرجنتين بعد العمل لمدة 15 عاما في البلاد. فقد بعثت الشركة رسالة إلى وزارة العمل أدرجت خلالها قائمة طويلة من المظالم تسببت بدورها في ارتفاع التكاليف بنسبة 41% وانخفاض إنتاجية الطاقم بنسبة 30% مقارنة بباقي الأسواق الـ 26 الأخرى التي تعمل فيها الشركة.
وتوقف صانع السيارات الياباني “هوندا” عن تصنيع السيارات في الأرجنتين في مايو، رغم مواصلتها تصنيع الدراجات النارية. كما أوقفت شركتي “أميركان إيرلاينز” و”دلتا إيرلاينز” بعض الخطوط المتجهة إلى الأرجنتين.
وذكرت وكالة أنباء “بلومبرج” أن العديد من الشركات الكبرى ألغت مشاريعها الاستثمارية. فعلى سبيل المثال ألغت شركتا “فولكس فاجن” و”فورد موتورز” خططا لتصنيع شاحنات صغيرة في الأرجنتين.
وفي حين أن مستقبل ما بعد الوباء يعتبر غير مؤكد بالنسبة لمعظم الدول، من المتوقع أن تواجه الأرجنتين، التي احتلت المرتبة 139 من بين 141 دولة في ترتيب الاستقرار الاقتصادي الخاص بالمنتدى الاقتصادي العالمي، أشد الأوضاع خطورة، خصوصا أن بيئة العمل أصبحت أكثر صعوبة بالفعل منذ تولي الرئيس ألبرتو فرنانديز منصبه في ديسمبر. كما أن إدارته قيدت إمكانية الوصول إلى الدولار ورفعت الضرائب وحظرت تسريح العمال.
وأشارت “بلومبرج” إلى أن قرار الحكومة بالتخلف عن سداد الديون الخارجية للبلاد، بعد تعثر المفاوضات مع حملة السندات، لم ينل إعجاب المستثمرين الأجانب.
كانت الأرجنتين واحدة من أوائل دول أمريكا اللاتينية التي فرضت قيود إغلاق صارمة لإبطاء تفشي الوباء، وقد تسببت هذه الإجراءات، التي تُرفع تدريجيا الآن، في معاناة الاقتصاد الضعيف بالفعل من خسائر فادحة.
ويتوقع الاقتصاديون، ممن خضعوا لاستطلاع للرأي أجراه البنك المركزي الأرجنتيني، انكماش اقتصاد البلاد بنسبة 12% هذا العام، وهو ما سيكون أكبر انخفاض في عام واحد على الإطلاق.
وبالنسبة للعديد من الشركات المتعطشة لرأس المال، يعتبر كوفيد-19 القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث تشير البيانات الحكومية إلى توقف أعمال 20 ألف شركة عاملة في القطاع الخاص هذا العام.
وأوضح استطلاع للرأي أجرته مجموعة رائدة للأعمال أن 70% من الشركات، التي لا تزال متواجدة في الأرجنتين، قالت إنها لا تستطيع الاستمرار في أعمالها بعد الأشهر الـ 12 المقبلة.
وتتوقع مديرة أبحاث أمريكا اللاتينية في شركة “فيرسك مابلكروفت” الاستشارية، جيمينا بلانكو، انسحاب مزيد من أرباب العمل في القطاع الخاص والشركات المستقلة خلال الأشهر المقبلة.
بالتأكيد، مشاكل الأرجنتين الاقتصادية ليست جديدة، فقد أمضت البلاد ثلث تاريخها الحديث في الركود الاقتصادي، كما أن النمو كان بعيد المنال خلال العقد الماضي.
ووصل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 5.1 مليار دولار عام 2019، وهو ما يقرب من نصف إجمالي القيم السنوية في كل من العامين السابقين، وفقا للجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي التابعة للأمم المتحدة.
وفيما يخص ديون الأرجنتين، فقد أحرزت مفاوضات البلاد الرامية إلى إعادة هيكلة سندات بقيمة 65 مليار دولار، تقدما، رغم رفض بعض من أكبر الدائنين في البلاد للشروط التي تقدمها الحكومة، مما يضاف إلى مناخ الأزمات الذي تواجهه الشركات منذ تخلف البلاد عن سداد الديون للمرة التاسعة في تاريخها في 22 مايو الماضي.