إلى أى حد يكون الكثير جداً من الشيء أمراً جيداً؟ فقد ارتفع اليورو أمام الدولار بنسبة 5% العام الجارى – وهو نتيجة عادلة لتعامل الاتحاد الأوروبى مع أزمة فيروس كورونا بشكل جيد مثل القرار التاريخى بإنشاء صندوق إنقاذ من الوباء والذى يتضمن تحويلات مالية من شمال أوروبا الثرى إلى الدول الأكثر تأثراً فى الجنوب.
وانخفضت عائدات سندات الخزانة الأمريكية كذلك بالقرب من الصفر، ما جعلها أقرب إلى أسعار الفائدة السلبية فى منطقة اليوور وبدأت توقعات النمو الأمريكية تشبه تلك الأوروبية، ونتيجة لذلك، أصبح هناك أسباباً أقل للمستثمرين لإبقاء الكثير من البيض فى سلة الدولار، ولكن المشكلة بالنسبة للبنك المركزي الأوروبى هى أن العملة القوية بشكل مبالغ فيه يمكن أن تعيق بشكل خطير التعافى الهش للقارة بعد كوفيد.
وكان الاحتياطى الفيدرالى يعاني من قوة الدولار المفرطة فى أوج الأزمة، ولكنه نجح في احتواء ذلك، ويبدو أنه راضٍ تماماً عن ضعف العملة الخضراء، ويدفع المسئولون في الفيدرالي للمزيد من المحفزات المالية ويلتزمون بالمزيد من التدابير التقدية كلما يلزم الأمر، وهو ما يعد مصدر قلق للبنك المركزى الأوروبى الذى يريد منع اليورو من الارتفاع كثيراً بسرعة كبيرة.
ولطالما تمتع الاتحاد الأوروبي بفائض في الحساب الجاري بفضل قطاعه التصديرى الحيوى وساعده على ذلك اليورو الضعيف نسبياً، ولكن الأحوال تتبدل، وهناك جهود عالمية لإعادة توجيه الاقتصادات وتعد إدارة أسعار صرف أضعف أحد الأدوات الواضحة في الصندوق.
ورغم تأكيدات البنك المركزى الأوروبى بعكس ذلك، فإن التدابير النقدية واسعة النطاق والاستثنائية تتعلق جميعها بكبح جماح العملة وهو ما يبرر اتهامات الرئيس الأمريكى بالتلاعب بالعملة ضد جميع الدول التى تقوم بالتيسير الكمى (ولكنه سكت عن الأمر الآن مع قيام الولايات المتحدة بنفس الأمر)، ومن خلال خفض العائدات عبر برامج الشراء الهائلة، أجبر البنك المركزى الأوروبى المستثمرين على البحث عن العائد في مناطق أخرى، وبالتالي احتواء سعر اليورو، ولكن يفلح هذا الأمر فقط عندما لا يكون هناك أحد آخر يقوم بالمثل.
وتطفل الفيدرالي والبنك المركزي البريطاني على حفلة التيسير الكمي للمركزي الأوروبي من خلال خفض أسعار الفائدة بقدر أعمق خلال أزمة فيروس كورونا بجانب تقديم كميات أكبر بكثير من المحفزات، وهو ما ترك المركزى الأوروبى بدون أى أدوات مميزة حقيقية يمكن استخدامها لمنع اليورو من الارتفاع، وحتى قبل الأزمة، كان لديه أسعار فائدة سلبية وبرنامج تيسير كمى واسع قائم، أما الفيدرالى والبنك المركزى البريطانى فلديهم أسعار فائدة إيجابية وهو ما يوفر لهم بعض الذخيرة.
ومن المثير للسخرية، أن أحد أسباب التحول عن اليورو، وهو الخوف من وحدة الكتلة، تبدد تماما من خلال الاتفاق الرائد لصندوق تعافي بقيمة 750 مليار يورو، وفي ظل تخطيط المفوضية الأوروبية إصدار ديون تعادل 200 مليار يورو العام المقبل، بفارق عائد جيد عن السندات الحكومية الألمانية، سيكون هناك سندات سائلة متاحة للمستثمرين الأجانب، والتى لن يكون عائدها سلبى بقدر يعاقب المستثمرين.
وعادة ماتقود توقعات النمو تقييمات العملة، وأوروبا تجذب الاهتمام لهذا السبب أيضاً، والميل المعتاد لتوقع أن النمو الأمريكى سوف يتفوق على الأوروبى انحسر خلال الوباء بل وربما تتبدل الأوضاع.
ولا يمكن لأحد أن يشتكى من أداء أوروبا الجيد نسبياً فى تعاملها مع الوباء، ولكن هذا النجاح ستكون قيمته أقل إذا عانى نموذج القارة القائم على التصدير، وقد يكون المركزي الأوروبى لا حيلة له في منع اليورو من الارتفاع لمستويات أعلى إذا واصل الدولار التراجع أكثر.
بقلم: ماركوس آشوورث، كاتب مقالات رأي لدى “بلومبرج” ويغطى الأسواق الأوروبية
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج