ربما يكون الحافز النقدى والمالى، الذى أنقذ أسعار أصول الأسواق الناشئة العام الحالي، قد ساهم في مواجهة العديد من الدول، مرحلة جديدة من أزمة جائحة فيروس كورونا المميت، وهي فوضى مالية لا يمكن الهروب منها بكل سهولة.
وخفضت البنوك المركزية أسعار الفائدة، وعززت الحكومات الإنفاق، في الوقت الذي ارتفعت فيه حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19 بشكل كبير وأدت عمليات الإغلاق إلى خفض كل من مستويات الاستثمار وطلب المستهلكين.
ورغم أن هذه الإجراءات أدت إلى انتعاش الرغبة في المخاطرة، إلا أنها ربما تكون وضعت صانعي السياسة والمسئولين الحكوميين في وضع محاصر.
وقال رئيس الدخل الثابت للأسواق الناشئة فى مؤسسة “مورجان ستانلي” لإدارة الاستثمار، إريك بورمايستر: “فى النهاية، ستتحول الأسواق ثم تنظر إلى نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي وتتساءل: ما الذى تنوى فعله تجاه هذا الأمر؟ فالآن بعد أن مررنا بالأسوأ، كيف ستقوم بدفع هذه التكاليف؟
مع وجود مجال ضئيل لمزيد من التحفيز النقدي، ربما تُترك الدول النامية فى وضع صعب من الاحتياج إلى إنفاق المزيد لإنعاش النمو الاقتصادي، خصوصاً فى ظل الافتقار إلى الموارد اللازمة للقيام بذلك دون الانغماس بشكل أعمق في حفرة الديون، وذلك وفقاً لما قالته وكالة أنباء “بلومبرج”.
وربما تكون أسعار الفائدة بحاجة إلى الارتفاع للدفاع عن العملات الوطنية مع انحسار الثقة، مما يقوض النمو ويؤدى إلى انخفاض أسعار الأصول، كما يمكن للمشاكل الاقتصادية المتصاعدة- فى الوقت نفسه- تأجيج التوترات السياسية.
أشارت بيانات معهد التمويل الدولى إلى أن الدين العالمي ارتفع إلى 258 تريليون دولار في الربع الأول من العام، أو بنسبة قياسية تقدر بـ 331% من الناتج المحلى الإجمالى على مستوى العالم، أما بالنسبة للأسواق الناشئة، فقد ارتفعت نسب الدين إلى مستوى قياسي يقدر بـ 230% من الناتج المحلي الإجمالى.
وكتبت كل من إيمري تيفتيك وخديجة محمود، وهما خبيرتين اقتصاديتين لدى معهد التمويل الدولي، أن موعد استحقاق ما يقرب من 3.7 تريليون دولار من ديون الأسواق الناشئة سيأتى بحلول نهاية عام 2020، إذ تمثل الديون المقومة بالعملة الأجنبية 17% تقريباً من إجمالى حجم الديون.
ويعتقد الخبير الاستراتيجى لدى بنك أوف أمريكا في لندن، ديفيد هانر، إمكانية تحول برنامج الإنفاق الحكومي المؤقت ليصبح برنامج دائم، مشيراً إلى أن المسئولين يمكن أن يبدأوا فى الاعتماد على السياسة النقدية الميسورة لتمويل العجز المالي.
وكتب هانر، في مذكرة، أن المشاكل المالية المتعددة كانت سابقة لتفشي كوفيد-19، ومن المرجح أن يواجه عالم ما بعد “كوفيد-19” تحديات مالية مع مطالب سياسية بمزيد من الحماية الاجتماعية والإنفاق على الرعاية الصحية، ومع ذلك، يحمل تخفيض الإنفاق أو زيادة الضرائب على الشركات في طياته نوعاً خاصاً من المخاطر.
وفي هذا الصدد، قال كبير استراتيجيى الأسهم لدى مؤسسة “جى بى مورجان تشيس” في ساو باولو، بيدرو مارتينز جونيور، إن مثل هذه الإجراءات ستؤثر على النمو الاقتصادي، مشيراً إلى أنه رغم أن ذلك الأمر ربما لا يتحقق حتى عام 2021، إلا أنه يمكن أن يشكل رياحا معاكسة بالنسبة لأرباح الشركة.
وقالت رئيسة ديون السوق الناشئة لدى مؤسسة “بي جي أي إم” للدخل الثابت، كاثي هيبوورث، والتي تمتلك أصولاً تحت الإدارة بقيمة 868 مليار دولار: “بالنسبة لي، يكمن الخطر الأكبر في عدم حدوث التعافي الذي نتوقعه في النمو الاقتصادي، فإذا لم تتمكن الدول من البدء فى تسجيل النمو، فإن ذلك سيحد من القدرة على الاستمرار فى دعم هذه الاقتصادات”، مشيرة إلى أن السؤال الذى يمكن إثارته فى هذه الحالة هو: “هل يعني ذلك أن هناك ضغطاً أكبر للشعبوية”؟