وضعت الحكومة نفسها فى مأزق مع الشعب، فيما أصرت على تطبيق قانون التصالح فى مخالفات البناء فى هذا التوقيت الذى تشهد فيه البلاد تهديدات بنشوب حرب، إما حفاظاً على حدودنا الغربية من دواعش ليبيا وتهديدات تركيا، وإما حفاظاً على حق مصر فى مياه النيل بتهديدات إثيوبيا بملء سد النهضة.. هذه التهديدات لا شك تتطلب ضرورة الاصطفاف الوطنى من جميع فئات الشعب فى الوقوف مع الدولة إزاء هذه التهديدات وتحديداً يجب أن تكون الجبهة الداخلية سليمة ومتماسكة قبل خوض أى حروب.. ومن هنا تبدو أهمية الحفاظ على السلام الاجتماعى للدولة عند إصدار أى قانون أو قرار يتعلق بأحوال المواطنين.. إذ لا يجب فى هذا التوقيت أن نعطى الفرصة لمن يتخذ من قانون التصالح ذريعة للوقيعة بين الشعب وحكومته وهذا ما يحدث الآن بالفعل على مواقع التواصل الاجتماعى من خلال هاشتاجات (لا لقانون التصالح).
ما المشكلة إذن فى هذا القانون؟!
المشكلة أن هذا القانون لم يأخذ وقته من الدراسة وما زالت مواده غير مفهومة، والمحافظات تطبقه بصورة تضر بالسلم الاجتماعى.. والدليل على أن القانون ما زال مثار جدل وما زال غير مفهوم ومثيراً للمشاكل أن دعا البرلمان وزير الإسكان والتنمية المحلية لمناقشة المشاكل المترتبة على تطبيق القانون.. والغضب الشعبى من عمليات الإزالة التى تمت فى الآونة الأخيرة.
بل إن رئيس لجنة التنمية المحلية بمجلس النواب اقترح عقد لقاء لرؤساء الأحياء لمناقشة تطبيق القانون والالتزام بروح القانون عند تطبيقه.. ناهيك عن عدم فهم القانون لدى العامة والذى كان يتطلب عقد حوارات اجتماعية فى ربوع مصر وليس فى البرلمان فقط حتى يعلم العامة مواد هذا القانون الذى يمتد أثره لملايين الأشخاص الذين فوجئوا بصدمة من الحكومة بتطبيق القانون عليهم؛ لأنهم قاموا بحل مشاكلهم فى الإسكان بعيداً عن الحكومة التى تباطأت فى حلها أو تغافلت وهى مفتحة العينين أمام عمليات البناء التى تمت طوال السنوات الماضية ولم تتخذ أى إجراءات بل اعترفت بهذه المبانى وسمحت بدخول المرافق لها فمن يعاقب الآن المواطن أم الحكومات السابقة التى سمحت لهذه المبانى أن تقام وتوصل لها المرافق.
ما ذنب المواطن الذى أراد أن يجد حلاً لمشكلة إسكان أبنائه فأقام منزلاً من قيمة ما جمعه من مدخرات أو من سنوات الغربة فى أن يصدم بأن عليه أن يدفع عشرات الآلاف أو مئات الآلاف من الجنيهات قد لا تكون متاحة لديه الآن ليدفعها للحكومة وإلا ضاع حلم عمره فى بناء منزل له ولأولاده… أين كانت الدولة من عدم عمل أحوزة عمرانية وتحديد أماكن البناء والتوسعات فى القرى والأحياء. وهل تعلم الحكومة أن إعداد ملف التصالح أصبح أمراً معقداً ومكلفاً، وأن المكاتب الهندسية استغلت الموقف فى إصدار الرسومات الإنشائية والمعمارية وراحت تطلب مبالغ كبيرة من المواطنين.
وهل تعلم الحكومة أن هناك تقديرات بأن عدد مخالفات البناء فى مصر تجاوز 3 ملايين مخالفة فهل تكفى المهلة التى حددتها الحكومة للتصالح حتى نهاية سبتمبر المقبل لتقديم طلبات التصالح.
وهناك نقطة أخرى أكثر خطورة على الاقتصاد القومى فالدولة تعانى من آثار توقف النشاط الاقتصادى نتيجة فيروس كورونا.. فكيف الحال من توقف النشاط العقارى نتيجة وقف أعمال البناء وإرهاب كل من يفكر فى الاستثمار العقارى أو بناء شقة أو منزل ما ستحصل عليه الدولة من حصيلة التصالح سيخسر الاقتصاد القومى أضعاف هذه الحصيلة نتيجة توقف الاستثمار العقارى بكل قطاعاته هناك مصانع أسمنت توقفت عن الإنتاج ومصانع حديد لا تعمل اسألوا عن خسائر شركة حديد عز بلغت 850 مليون جنيه فى الربع الأول من العام الجارى وتراجع مبيعاتها بنحو %15 فى نفس الفترة.. بل شركة حديد أخرى تدفع مرتبات شهرياً نحو 50 مليون جنيه وهى متوقفة عن الإنتاج.. ناهيك عن باقى الصناعات المرتبطة بالنشاط العقارى.
بالطبع لا أحد مع المخالفات أو ضد أن يكون كل شىء مقنناً ومنظماً فى هذا البلد ولكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب المواطن بأن نعاقبه ونحمله أخطاء وأفعال حكومات وأنظمة سابقة. وإلا فإن كل شىء فى حياتنا محتاج لتوفيق أوضاع لأن أخطاء الحكومات والأنظمة السابقة كانت فادحة سواء فى تدهور التعليم أو الصحة فمن يتحمل من ماتوا بسبب انتشار فيروسات الكبد والسرطان نتيجة تلوث المياه والغذاء.. من يتحمل أوزار انتشار البطالة بين الشباب نتيجة تدهور مستوى التعليم هل المواطن الذى يتحمل.. قالها الرئيس السيسى ونطالب الحكومة بأن تطبق كلامه (هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه).. عايزين أفعال مش أقوال.