أفريقيا تحتاج شركات قادرة على تنظيم القوى العاملة لفرق متخصصة وتنافسية
بدأت الاقتصادات الأفريقية، اللحاق ببقية العالم، فقد كانت تعمل أربع دول أفريقية حسنة القيادة، وهى إثيوبيا وغانا ورواندا والسنغال، على إعادة إنعاش العمليات، التى غيرت اقتصادات شرق آسيا فى تايوان وكوريا الجنوبية وهونج كونج وسنغافورة.. لكن تفشى وباء كورونا المميت يدمر قصة النجاح الأفريقية هذه.
وتحتاج أفريقيا إلى مزيد من الشركات القادرة على تنظيم القوى العاملة ضمن فرق عمل متخصصة ومتعاونة وذات قدرة تنافسية منضبطة، لكن حتى الشركات الموجودة فى أفريقيا تنزف من التأثير الاقتصادى لتفشى الوباء.
وأفاد الاقتصادى بول كولير، فى مقال نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن هذه الصدمة لم تنتج فى الغالب عن الأزمة الصحية فى أفريقيا، بل إن السبب يكمن فى التراجع الحاد فى الاقتصادات المتقدمة، وانخفاض أسعار السلع الأساسية فى الوقت الذى تعتبر فيه أفريقيا مصدر صاف هام.
وأشار كولير، إلى أن هناك صدمات عديدة أثرت على القارة السمراء، إذ أصبحت غانا والسنغال تخسران عائدات البترول التى يتم استخدامها فى تمويل البنية التحتية.
كما أن تراجع السياحة العالمية شكل ضربة قوية لرواندا، التى تركز استراتيجيتها للتنمية الاقتصادية على السياحة والمؤتمرات، والتى أصبحت ثانى أكثر الدول زيارة فى أفريقيا لهذه الأغراض عام 2019.. لكن هذا الأمر انهار الآن.
بالإضافة إلى ذلك، تأتى السنغال وإثيوبيا ضمن أكبر الدول المتلقية للتحويلات المالية من المواطنين العاملين فى الخارج، وعادة ما ترتفع هذه النسبة أثناء الأزمة المحلية.
لكن المهاجرين الأفارقة يفقدون وظائفهم فى حالة الطوارئ الحالية التى يعيشها العالم نتيجة الوباء، كما أن هذا الأمر يؤثر بشكل كبير أيضا على أكثر الأماكن بؤسا، مثل اليمن.
أخيرا، كان تراجع رأس المال الدولى إلى منطقة الأمان هو الأكثر اضررا بالدول، التى كانت واعدة بالنسبة للمستثمرين.
فقد كانت غانا تجتذب أموال صناديق التقاعد الأمريكية والشركات الكبرى، ومنها «فولكس فاجن» و «بوش».
وتؤدى الصدمات الأربع جميعها إلى تآكل رأس المال التنظيمى النادر لأفريقيا، ومن المرجح أن يستمر هذا الأمر على المدى المتوسط.
وتعتبر صدمات أفريقيا مجرد شكل من أشكال الانتقال، إذ أدى الانخفاض فى أسعار السلع، إلى انخفاض الدخل فى أفريقيا، وإلى تخفيف تأثير «كوفيد-19 « على الاقتصادات المستوردة للسلع الأساسية فى الاتحاد الأوروبى والصين.
وبالمثل، يعتبر انهيار السياحة انتقالا للطلب، فالأفراد الذين توقفوا عن شراء الخدمات السياحية فى أفريقيا أصبحوا ينفقون أموالهم بالقرب من أوطانهم، حيث يعتبر رأس المال، الذى لم يعد يتدفق إلى أفريقيا، مجرد تحويل للتمويل.
كما أن هؤلاء الأفراد أصبحوا متاحين الآن للإنفاق المحلى فى دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية والصين.
وتعتبر هذه التأثيرات غير مقصودة، لكنها ضارة. لذا فإن الدول الأفريقية بحاجة ماسة إلى التعويض عن تلك الأضرار.
وفى دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية والصين، تخصص الحكومات موارد هائلة لحماية الشركات من الإفلاس، وهى عملية تمول من خلال الاقتراض العام الرخيص.
ويمكن أن تأتى المساعدة لأفريقيا من مؤسسات التمويل الإنمائى، مثل مجموعة «سى دى سى» البريطانية ومؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولى وبنك الائتمان لإعادة الإعمار المملوك للدولة الألمانية وبنك الاستثمار الأوروبى والبنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية فى الصين، إذ يمكن لتلك الجهات الالتزام بشكل مشترك بتوجيه الأموال العامة إلى العديد من الشركات الأفريقية التى يرتبطون بها.
وكما هو الحال فى دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، تحتاج الحكومات الأفريقية إلى أن تكون قادرة على الاقتراض بأسعار رخيصة من أسواق رأس المال، لكنها فى الوقت الحالى، تقع فى وضع مماثل لإيطاليا خلال أزمة منطقة اليورو، وتواجه أسعار فائدة عالية بسبب المخاطر المتوقعة للتخلف عن السداد.
وفى حالة الصدمة الحادة للاقتصاد الكلى، يمكن لمعظم الدول الأفريقية خدمة الديون بأسعار الفائدة التى تقترض بها حكومات منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فى الوقت الراهن، لكن ليس بمعدلات فائدة مدفوعة بالتخلف عن السداد.
وكان الحل بالنسبة لإيطاليا هو خطاب بعنوان «كل ما يتطلبه الأمر»، الذى ألقاه الرئيس السابق للبنك المركزى الأوروبى ماريو دراجى فى عام 2012، إذ انخفضت عائدات الديون السيادية فى إيطاليا إلى مستويات أكثر أمانا، وبالمثل يجب تجريد الاقتراض الأفريقى من المخاطر، ربما من خلال مزيج من ضمانات البنك المركزى وإقراض البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، وتسهيل حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولى، وقد تكون هذه البداية مفيدة فى إعداد تقديرات خاصة بكل بلد لتأثير عمليات النقل غير المقصودة على أفريقيا والاقتصادات الأكثر تقدما فى العالم.
ومن المؤكد أن أزمة أفريقيا أزمة ملحة، ولن يكون هناك رابحون من عمليات المراوغة.