كانت أسهم التجارة الإلكترونية من بين أكبر الرابحين فى الربع الثانى من العام الجارى، مع إعلان شركات مثل “شوبيفاى”، و”واى فير”، و”إتسى”، عن نمو فى الإيرادات على أساس سنوى بنسبة 100% بفضل طلب المستهلكين للأشياء عبر الانترنت أثناء وباء “كورونا”.
ولكن هذا التحول الكبير فى سلوكيات شراء المستهلكين لم تماشيه سلاسل التوريد التى تعتمد عليها شركات التجارة الإلكترونية، وقد تثير زيادات الأسعار التى أعلنت عنها شركات التوصيل مثل “يونايتد بارسيل سيرفيس”، و”فيديكس” الشكوك حول قدرة شركات التجارة الإلكترونية المحببة على مواصلة النمو بما يسعد المستثمرين.
وما يحدث هنا، على الأقل على المدى القصير، هى حالة تقليدية من عقبات التوريد التى تظهر استجابة للنمو السريع فى الطلب، وعندما بدأ المستهلكون ينفقون مجددا فى أبريل بعد طلبيات الصدمة الأولية فى مارس عندما قبعوا فى منازلهم، حولوا بعض مشترياتهم إلى الإنترنت إما لأنهم أصبحوا يعتقدون أنه أأمن من التسوق فى المتاجر أو لأن بعض المتاجر لم تفتح بعد، ورغم أن تلك أنباء سيئة للتجار التقليديين، كانت بعض شركات التجارة الإلكترونية من أكبر الرابحين.
وأعلنت شركة “شوبيفاى”، مقدمة الخدمات للشركات على الإنترنت، عن نمو إيراداتها بنسبة 97% على أساس سنوى فى الربع الثانى، كما شهدت “واى فير”، التى تبيع أثاث وبضائع منزلية على الانترنت، نمو إيراداتها بنسبة 84%، أما إيرادات شركة “إتسى”، التى عززها نوعا ما مبيعات الكمامات منزلية الصنع، ارتفعت بنسبة 137%، وتمتعت الشركات الثلاث بهوامش ربح كبيرة، مع نمو الإيرادات بوتيرة أسرع من التكاليف.
ولكن منذ 3 أشهر، لم تخطط شركات التجارة الإلكترونية ولا حتى شركات التوصيل التى يعتمدون عليها لهذا النوع من النمو، وكما قال جيف بيزوس، مؤسس شركة “أمازون”، إن النتائج المالية الربع الحالى تعود بقدر كبير إلى القرارات والخطط والاستثمارات التى تم اتخاذها منذ سنوات قليلة.
ومع كبر شركة “أمازون”، عززت الاستثمارات فى مراكز الاستلام التى تخزن بضائعها وفى شبكتها الخاصة لتوصيل الطلبيات للتأكد من أنها ليس معتمدة بشدة على شركات الطرف الثالث مثل “يو بى إس” و”فيديكس”.
ويكمن السؤال الآن فى كيف سيكون أداء منصات التجارة الإلكترونية والتجار الآخرون خلال موسم أعياد العام الجارى، عندما سينهال عليهم طلب قياسى غير مخطط له.
وفكرت “يوو بى إس” و”فيديكس” –شركات التجارة الكبيرة والمخضرمة فى مجال النقل منذ سنوات – فى الأمر بالفعل ورفعت أسعارها وفقا لذلك لضمان أنهم يستطيعون تقديم خدمة ذات مستوى عالى للتجار الراغبين والقادرين على الدفع، وربما فعلوا ذلك لتقليل الطلب عليهم من البائعين الذين تقيدهم التكلفة، فالشركات الكبيرة التى سواء تبيع عبر الإنترنت أو لا وليس فقط “أمازون” وإنما أيضا “وول مارت”، و”هوم ديبوت” وأشباههم – هم فى وضع يخولهم على الأغلب للدفع أو إيجاد حلول توصيل خاصة بهم لا تقدر عليها الشركات الأجدد أو البائعين الأصغر الذين يعتمدون على منصات البيع الأكبر فى أعمالهم.
وقد يشكل اللجوء إلى مخازن شركات أخرى لمقابلة الطلب عقبة أخرى أمام النمو فى موسم الأعياد القادم، فعلى سبيل المثال، لاحظ موقع بيع السيارات المستعملة عبر الإنترنت “كارافانا” الأسبوع الماضى مدى الضرر الذى لحق بالمبيعات نتيجة نقص المخزون مع إغلاق مصانع السيارات، وتحاول الشركة شراء سيارات من المستهلكين لإنعاش سعر سهمها.
وسيكون نقص المنتجات – بسبب مكافحة الإنتاج لمواكبة الطلب – أمرا حيويا فى تحديد نتائج أعمال العام للعديد من شركات التجارة الإلكترونية، وقد يحول دون قدرة المستهلكين على الحصول على كل ما يرغبون به عبر الإنترنت وربما يقود إلى نتائج مالية غير مرحب بها فى الربع الرابع.
وحتى تتمكن شركات التجارة الإلكترونية من احتواء هذه التحديات، قد يشعر بعض البائعين بالإغراء لزيادة الأسعار للدفع مقابل تكاليف التوصيل الإضافية أو المخازن الأعلى تكلفة، ولكن هذا يهدد أيضا بتنفير المستهلكين الحساسين تجاه الأسعار وخاصة هؤلاء الذين لا يزال لديهم القدرة على الذهاب للمتاجر إذا كانت المنتجات أرخص.
ومع الوقت، تكون هذه المشكلات قابلة للحل كما أثبتت “أمازون”، وبقدر استمرار مستوى الطلب على التجارة الإلكترونية فى 2020، سوف تقوم “يو بى إس” و”فيديكس” باستثمارات لمقابلته، ويمكن أن تقوم “أمازون” وغيرها من شركات التجارة الإلكترونية بالمثل، وسوف يُعاد ملء المخزونات إذا كان الطلب مستمرا وسوف تتعدل الأسعار لجعل كل ذلك ممكنا.
ولكن مع بقاء أشهر قليلة على موسم الأعياد، ربما على الأرجح تأخر الوقت كثيرا للقيام باستثمارات كبيرة لمقابلة الطلب العام الجارى، وبعد أرباح الربع الثانى اللافتة للنظر، ربما يقوم المستثمرين بتوقع إيرادات وهوامش ربح متزايدة حتى نهاية العام وما بعده لكن عليهم الاستعداد للسيناريو غير المرغوب فيه على المدى القصير والمتمثل فى ارتفاع ضغوط التكلفة وإجهاد سلاسل التوريد وانتشار نقص المنتجات وغضب العملاء.
بقلم: كونور سين، كاتب مقالات رأى لدى “بلومبرج”، وسابقا لدى “أتلانتيك” و”بيزنس أنسايدر”.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”