كنا بالتأكيد في القرن الـ21 عندما ذهبت للنوم ليل يوم الخميس، ولكن بحلول صباح يوم الجمعة شعرت أنني عدت بالزمن إلى الوراء مئات قليلة من السنوات إلى عصر القرصنة التي ترعاها الدولة.
والأنباء بأن الولايات المتحدة سيطرت على شحنات 4 حاويات بترول يزعم أنها تحمل الجازولين الإيراني من الخليج العربي إلى فنزويلا، استحضرت لدي صوراً عن القراصنة البريطانيين المدعومين من الدولة والذين كانوا يهاجمون أساطيل الكنوز الأسبانية التي تحمل الذهب والفضة والأحجار النفيسة من العالم الجديد إلى أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر.
وفي ثمانينيات القرن السادس عشر، أصدرت الملكة إليزابيث الأولى خطابات لترخيص السيطرة على شحنات العدو في البحار، ومشاركة الغنائم مع التاج، ولأشخاص مفضلين مثل جون هوكينز، ومارتن فروبيشر، وفرانسيس دريك، وولتر رالاي.
ومثل البريطانيين في ذلك الوقت، أعطت الولايات المتحدة الحق لنفسها أن تسيطر على ممتلكات الجهات التي تعتبرها منظمات إرهابية أجنبية في عرض البحار.
ومع ذلك، فقد اختلفت الطرق بالتأكيد، فلم ترخص الولايات المتحدة القرصنة لأفراد غير مسئولين حكوميين، ولا لجأت في هذه الحالة إلى الأعمال العسكرية.
فقد قال مسئول عسكري كبير لوكالة “أسوشيتد برس”، إنه لم يتم استخدام أي قوة عسكرية في مصادرة الشحنات وبدلاً من ذلك تم استخدام التهديدات بعقوبات معوقة محتملة على المالكين وشركات التأمين وفي النهاية أقنعهم قباطنة السفن بتسليم الشحنات.
ولكن المفهوم لم يتغير كثيرا خلال الـ440 عاماً، ولايزال لدينا واحدة من القوى البحرية البارزة في العالم، والتي تضع قوانينها الخاصة التي تسمح لها بالاستيلاء على الكنوز من الأعداء في المحيط.
وقبل ذلك بيوم، نددت الولايات المتحدة بصعود القوات الإيرانية على متن ناقلة بترول صغيرة في المياه الدولية ومكوثهم عليها لعدة ساعات قبل السماح لها بالمضي قدماً في طريقها، وقال التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية في بيان: “إن هذا النوع من السلوكيات المتهورة والعدوانية من قبل إيران يزعزع استقرار المنطقة ويهدد النظام العالمي القائم على القواعد”.
وإذا لم أكن مخطئاً، فإن التصرفات الأمريكية الحديثة لم تكن قائمة على القواعد الدولية بقدر التصرفات الإيرانية، وكلا التصرفين خدما المصالح الخاصة للدولتين، ولم يحظيا بدعم الأمم المتحدة ولا أي كيان دولي آخر، وقد تشعر إيران الآن بأنها مضطرة للرد.
ووفقاً لشكوى المصادرة، تبلغ قيمة الشحنات المجمعة التي سيطرت عليهم الولايات المتحدة من السفن الـ4 حوالي 1.16 مليون برميل من الجازولين الإيراني – حوالي 61 مليون دولار، وسوف يذهب جزء من الأموال القادمة من بيع هذه الشحنات إلى صندوق ضحايا الإرهاب في الولايات المتحدة، وترتبط 80% من المطالبات على هذا الصندوق بالهجوم الشنيع على مركز التجارة العالمي في 2001، رغم أن إيران لم تكن متورطة في هذا الحدث.
وبجانب حرمان الحكومة الإيرانية من الأموال وفنزويلا من الجازولين المطلوب بشدة، يُقصد بهذه المصادرة ردع أي شحنات مستقبلية للبترول الإيراني، وصدرت مذكرة المصادرة ضد الشحنات وليس السفن وبالتالي من المفترض أن يتم الإفراج عنهم بمجرد تفريغ حمولة الجازولين.
ومن المتوقع، أن يعقد كبار المسئولين في إدارة ترامب حدثا بمناسبة رسو السفن في ميناء هيوستن، ولا يسعني سوى ان أفكر في الملكة إليزابيث الأولى التي أقامت مأدبة لفرانسيس دريك في ديبتفورد على نهر التايمز في عام 1581، وجعلته فارساً على السطح الرئيسى لسفينته جولدن هيند التي عادت مليئة بالكنوز الإسبانية، فأيقظونى عندما نعود إلى 2020 مجدداً.
بقلم: جوليان لي، استراتيجى البترول في وكالة أنباء “بلومبرج”.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”