قطاع الدواء المصرى ليس الأكثر تطوراً رغم القيمة السوقية الضخمة للمبيعات
مصر حققت أعلى معدل نمو فى منطقة الشرق الأوسط للاستهلاك خلال 2019
تناولت دراسة أعدها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، أبرز مشكلات السوق المصرى فى قطاع صناعة الدواء، مطالبة بإصلاح سوق الدواء.
وأوصت الدراسة بضرورة بحث عدد من الملفات الرئيسية بقطاع الأدوية، وخلق تميز مصرى عبر مزيد من البحث العلمى فى مجال الأدوية المعتمدة على النباتات الطبية والطبيعية المصرية، خصوصاً مع الاهتمام العالمى بهذا النوع، فضلاً عن التوصل لحلول بشأن مشكلة التسعير الجبرى التى تواجه الدواء المصرى وتؤثر سلبًا على صادراته.
وقال المركز فى تقرير أصدره تحت عنوان «رأى فى أزمة»، إن مصر حققت أعلى معدل نمو فى منطقة الشرق الأوسط لاستهلاك الأدوية خلال 2019 وفقاً لمعهد ims لمعلومات الصناعات الدوائية، إذ تحتل مصر المرتبة الثانية فى المنطقة بعد السعودية من حيث نصيبها إلى إجمالى المنطقة من القيمة السوقية لمبيعات الأدوية، تليها جنوب أفريقيا ثم الجزائر ثم تأتى الإمارات العربية المتحدة فى المرتبة الخامسة يليها الأردن فى المؤخرة بنصيب ضئيل.
أضاف التقرير، أن الأردن جاءت فى المرتبة الثانية بعد المملكة العربية السعودية التى احتلت المرتبة 44 عالمياً ضمن قائمة الدول العربية من حيث صادرات الأدوية لعام 2019، تليها المغرب فى المرتبة 65 ثم الإمارات 67، فى حين تأتى مصر فى المرتبة 69 بين مصدرى الأدوية على مستوى العالم.
أوضح التقرير، أنه رغم القيمة السوقية الضخمة لمبيعات مصر من الأدوية فى الشرق الأوسط، إلا أنها ليست الأكثر تطوراً فى صناعته، إذ أن إنتاج مصر المتزايد من الدواء لم يواكبه تطور فى البحث والتطوير ولا محاولات ناجحة لتصنيع المادة الفعالة بدلاً من استيراد المكونات الدوائية النشطة الأجنبية من الخارج.
فمصر تستورد الجزء الأكبر سواء من المدخلات من مواد فعالة ومستلزمات تعبئة وتغليف وغيرها أو من المنتجات النهائية من أدوية ومستلزمات طبية من الخارج، إذ يتم استيراد ما يفوق 9% من المواد الخام المستخدمة فى الإنتاج المحلى، والذى يغطى 93% من الاستهلاك المحلى أيضاً.
أشار المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، إلى أن واردات مصر من المنتجات الدوائية بلغت نحو 2.61 مليار دولار، مقارنة بـ 271.85 مليون دولار فقط للصادرات خلال عام 2019 وفقاً لقاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة الدولية، وبالتالى تفوق وارداتنا من المنتجات الدوائية صادراتنا منها بنحو 9 أضعاف.
وذكر التقرير، أنه تم إعادة هيكلة الإطار التنظيمى الحاكم لعملية صناعة الدواء فى مصر كلياً بصدور القانون رقم 151 لسنة 2019 والذى ينص على إنشاء الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبى وإدارة التكنولوجيا الطبية وهيئة الدواء المصرية، بهدف تطوير المنظومة الصحية وتوفير الدواء بشكل منتظم ومواجهة الممارسات الاحتكارية فى القطاع وتنمية الصناعات الطبية، بالإضافة إلى مواجهة ظاهرة الأدوية المغشوشة على أن تتولى هاتين الهيئتين جميع مسئوليات ادارة المنظومة بالكامل بدلاً من وزارة الصحة وتلغى جميع الهيئات الرقابة والبحثية السابقة وغيرها من الجهات والكيانات الإدارية المختصة بشئون الصيدلة والمستحضرات والمستلزمات الطبية.

التركيز على الشراء بأسعار مخفضة قد يدفع الاستثمارات المحلية للهروب
وبتحليل الاختلافات الرئيسية بين النظامين السابق والحالى ومن خلال تقصى آراء بعض شركات الأدوية، يتضح أنه من أهم مزايا النظام الجديد التعامل مع جهة واحدة فقط مما يختصر الإجراءات، وكذلك تحقيق اقتصاديات الحجم فى الشراء، والتى تسمح بالحصول على أسعار منخفضة ومزايا أفضل، ومع هذه المزايا للمركزية، ثمة عيوب تتمثل فى احتكار النشاط وفى غياب لائحة تنفيذية تفصيلية.
وتمتد العيوب إلى التركيز على الشراء بأسعار مخفضة كهدف وحيد فى شراء الأدوية والمستلزمات الطبية، وقد يكون نتيجة ذلك هروب الاستثمارات المحلية، لعدم قدرتها على تحقيق الاشتراطات المطلوبة، وبالتالى الاعتماد بشكل أكبر على الشركات الدولية وعلى الواردات، وهذا مضر بالقطاع على المدى الطويل ومحسوس بالفعل فيما يخص المستلزمات الطبية، بالإضافة إلى تداخل الأدوار والمهام بين النظامين السابق والحالى حتى الآن.
قال محمد مبروك، رئيس مجلس إدارة شركة فارميد هيلث كير للأدوية، إن سوق الدواء خلال النصف الأول من 2020 عانى من التباطؤ فى كل الأصناف، عدا أدوية الأمراض المزمنة والأدوية المعتمدة فى بروتوكول العلاج لفيروس كورونا.
وأرجع ذلك للظروف التى عاشتها مصر من مارس الماضى وحتى يونيو، سواء حظر التجوال أو تأجيل العمليات الجراحية فى مختلف المستشفيات.
وتوقع مبروك، أن تنتعش مبيعات الأدوية مُجددًا خلال الربع الأخير من العام الحالى، بعد عودة الحياة لطبيعتها وتلقى المواطنين للخدمات الطبية بصورة منتظمة.
وأشار إلى أنه سواء اجتاحت مصر موجة ثانية من فيروس كورونا أم لا، فإن ارتفاع الوعى لدى المواطن، سيساعد الدولة فى اتخاذ إجراءات احترازية أقل حدة من المتبعة خلال الموجة الأولى.
قال مبروك، إن تباطؤ حركة التجارة العالمية، أثر على مُنتجى الدواء فى مصر، ولكن لم يشعر بذلك المواطن، نظرًا لضعف الطلب على بعض الأدوية، فضلاً عن توافر مخزون كاف لدى العديد من المصانع.
أضاف أن هيئة الدواء المصرية وهيئة الشراء الموحد ساهمتا فى تنظيم السوق، وتلبية احتياجات القطاع.
وقال أسامة رستم، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، إن هيئة الشراء الموحد، ساهمت فى توفير المواد الخام بجودة أعلى وتكلفة أقل، وهو أحد نجاحاتها فى تنظيم سوق الدواء المصرى.
أضاف أن فصل هيئة الدواء عن وزارة الصحة، ساعد متخذى القرار على الإلمام بالتحديات التى تواجه الصناعة، تمهيدًا لتذليلها وإنهائها، وهو ما ساهم فى نمو الصناعة، واعتبار المنتجين صناعة الدواء فى مصر تعيش حاليًا أحد العصور الذهبية لها.
وذكر أن مصر يمكنها أن تصبح مركزاً إقليمياً لصناعة الأدوية وخاماتها الأولية والوسيطة، ولكن يتطلب ذلك مزيداً من الأبحاث العلمية ودراسات جدوى، للتعرف على أنسب الأسواق التى يمكن أن يتم التصدير إليها، فضلاً عن التعرف على الأسعار المناسبة.
وأشار إلى أن توقعات البعض الخاصة بانتعاش سوق الدواء خلال أزمة كورونا العالمية، لم تكن فى محلها، إذ إن مبيعات القطاع خلال الأشهر الستة الأولى من 2020، كانت أقل من الفترة المقابلة من العام الماضى، وهو أمر طبيعى يرجع لعدم إقبال مُتلقى الخدمات الطبية على المستشفيات والعيادات الخاصة، بسبب حظر التجوال وتخوف البعض من الخروج من المنزل.
وأوضح أن المستفيد الوحيد من أزمة كورونا كانت الشركات المنتجة لأدوية مستخدمة فى بروتوكول علاج كورونا، وكذلك منتجى أدوية الأمراض المزمنة.
وتوقع رستم أن تنتعش مبيعات الأدوية خلال النصف الثانى من 2020، وهو ما تم ملاحظته خلال شهر يوليو، مع إلغاء حظر التجوال وعودة تقديم الخدمات الطبية بصورة منتظمة.
وذكر أن منتجى الدواء فى مصر والقائمين على صناعة الدواء، نجحوا فى إدارة هذا الملف خلال أزمة كورونا، ففى الوقت الذى توقع فيه البعض أن تحدث أزمة فى الدواء بمختلف دول العالم تأثراً بفرض بعض الدول قيوداً على تصدير المواد الخام، نجح القطاع فى تلبية احتياجات مصر من الدواء والمواد الخام ومواد التعبئة، ولم يشهد السوق خلال أزمة كورونا أى نقص فى الأدوية.

رستم: يجب دراسة تحويل مصر إلى مركز إقليمى لتصنيع الخامات
ويقدر حجم سوق الدواء بنحو 400 مليار جنيه ليساهم الإنتاج الدوائى بمقدار 1.3% من الناتج المحلى الإجمالى خلال 2016-2017.
كما يقدر حجم استثمارات صناعة الدواء فى مصر بنحو 80 مليار جنيه (8.6% من إجمالى الاستثمارات فى 2018 -2019) أى ما يعادل إنتاج 2.5 مليار علبة دواءً سوياً.
وتمثل الأدوية المثيلة النسبة الأكبر منها، حيث تعاجل 69.3% من إجمالى العبوات الدوائية المنتجة.
وتستحوذ مبيعات الأدوية المثيلة على ما يقرب من ثلثى السوق، وبما يعادل مرة ونصف قيمة مبيعات الأدوية صاحبة براءة الاختراع والأدوية المثيلة للشركات الأجنبية مجتمعة، والتى يبلغ إجمالى عدد شركات إنتاجها 89 شركة تقوم بإنتاج 1566 صنفاً دوائياً مقابل 209 شركات إنتاج أدوية مثيلة بمقدار 4184 صنفاً دوائياً بالقطاع الخاص، بالإضافة إلى 1400 شركة تعمل فى التصنيع لدى الغير.
ويعتبر تسعير الدواء من أهم المشكلات التى تواجه صناعة الدواء فى مصر حيث تمثل نقطة خلاف مستمرة بين رؤوس مثلث صناعة الدواء وهم الأجهزة الرقابية للدولة ومصانع الأدوية والمستهلك النهائى، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل تتداخل مع بعضها البعض مكونة ازمة التسعير فى مصر.
وتعد أبرز تلك العوامل التسعير الجبرى للدواء، وقرارات تحرير سعر الصرف التى تسببت بشكل مباشر فى رفع أسعار المواد الأولية والمدخلات الوسيطة اللازمة لإنتاج الدواء والمستوردة بنسبة 90%، إضافة إلى الواردات من المنتجات الدوائية النهائية.
وقال المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، إنه رغم الهدف الاجتماعى من تخفيض أسعار الدواء، إلا أن أسلوب ادارة منظومة تسعير الدواء، أدى إلى تشوه القطاع الدوائى فى مصر، وفى أحجام الشركات عن الاستثمار، خصوصاً بعد تعويم الجنيه وحتى بعد رفع أسعار الأدوية لأكثر من مرة فى أقل من سنة.
وبالتالى مطلوب مراجعة نظام التسعير والاسترشاد بتجارب الدول الأخرى فى هذا الصدد، بحيث يتم تحديد فئات بعينها «مثل مستشفيات معينة» بأسعار مخفضة، ولكن دون تعميم هذه الأسعار على مستوى الجمهورية، لما يسببه ذلك من تراجع دول التصدير فى مجال الأدوية، نظراً للارتباط الشديد بين السعر التصديرى المصرى وهروب البحث والتطوير معها، فى حين يلزم تشجيعها وتشجيع دخول البحث والتطوير إلى السوق.
وطالب المركز بمراجعة مواقف الشركات المحلية والوقوف على مشكلاتها سواء فيما يتعلق بالتسعير والاستيراد والتصدير أو الإنتاج.
كما طالب المركز المصرى بالتخفيف التدريجى للاعتماد على الوارادات خصوصاً استيراد المواد الفعالة والخامات الوسيطة اللازمة لإنتاج الدواء من خلال خلق تميز مصرى عبر مزيد من البحث والتطوير فى مجال الأدوية المعتمدة على النباتات الطبية والطبيعية المصرية، خاصة مع الاهتمام العالمى بهذا النوع.
وطالب المركز باتخاذ إجراءات سريعة بشكل مرحلى بحيث يتم تنظيم سوق الأدوية فى مصر للقضاء على ظاهرتى نقص الأدوية وانتشار الأدوية المغشوشة، وخاصة إختفاء الأدوية وقت الأزمات نتيجة التكالب على أصناف معينة والتسبب فى رفع أسعارها.