سلطت جائحة فيروس كورونا المميت الضوء على دور الحكومة فى دعم الاقتصاد خلال فترات الأزمات، لكنها أظهرت أيضا الدور الذى يمكن أن تلعبه الشركات الكبرى.
ويمكن تسليط الضوء بشكل خاص على سنغافورة، بصفتها المقر الرئيسى للعديد من الشركات الكبرى فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث استثمرت البلاد لفترة طويلة فى استقرار الأعمال التجارية، حتى فى ظل اشتعال التوترات الجيوسياسية عالميا، لذلك عندما هدد ارتفاع حالات الإصابة بالوباء بقلب هذا التوازن، تحركت السلطات سريعا لتقدم حزمة تحفيزية تزيد قيمتها عن 73 مليار دولار، مع أحدث زيادة أقرتها الأسبوع الماضى فقط.
ومع ذلك، رغم تجاوزها الركود الأول منذ عام 2009، استطاعت بعض الشركات متعددة الجنسيات العاملة فى الصناعات الرائدة فى البلاد إيجاد فرص للمضى قدما.
وبدءا من قيادة جهود الإغاثة من الأزمات إلى دعم الشركات الأخرى، يبحث برنامج «Make It» التابع لقناة «CNBC» الإخبارية الأمريكية، فى كيفية دعم الشركات العاملة فى قطاعات التصنيع والتكنولوجيا والقطاع المصرفى فى سنغافورة الجهود المبذولة لإنعاش الاقتصاد.
الاستجابة للأزمات
يعتبر قطاع التصنيع- أكبر قطاع فى سنغافورة من حيث الناتج المحلى الإجمالى الاسمي- وهو القطاع الوحيد الذى نما خلال ذروة الوباء، فقد توسع بنسبة %2.5 مع ارتفاع الطلب على المنتجات الطبية الحيوية.
واستطاعت الشركة المصنعة 3M تطبيق الدروس المستفادة خلال فترة تفشى مرض السارس فى عام 2003 لتشغيل خطوط التصنيع الخاصة بها على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع ومضاعفة الإنتاج العالمى من أقنعة التنفس N95، فقد أنتجت أكثر من 800 مليون منها على مستوى العالم فى النصف الأول من عام 2020، حتى مع تهديد إغلاق الحدود بتعطيل الإنتاج.
وعملت الشركة مع السلطات المحلية فى سنغافورة- موطن المقر الرئيسى للشركة فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ- للحفاظ على حركة الأعمال وإعادة توطين الموظفين محليا الذين يتنقلون يوميا من دولة الجوار ماليزيا.
دعم الأعمال الأخرى
وفى ظل تسبب عمليات الإغلاق على مستوى البلاد فى توقف العديد من الصناعات، لعب قطاع الخدمات المالية دورا هاما فى توفير التمويل اللازم للحفاظ على بقاء الشركات، فقد شمل ذلك الأمر تدابير لتخفيف القيود المفروضة على التدفقات النقدية بالنسبة لأكثر من 270 ألف شركة من الشركات الصغيرة والمتوسطة فى سنغافورة.
يذكر أن الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم تمثل %99 من الشركات فى سنغافورة و %72 من القوى العاملة.
وخلال ذروة تفشى الوباء، قدمت مجموعة «دى.بى.إس» المصرفية- أكبر مصرف فى جنوب شرق آسيا- ما يصل إلى 3.5 مليار دولار فى شكل قروض مؤقتة للحفاظ على بقاء العديد من الشركات، وكان %87 من تلك القيمة موجه للشركات الصغيرة ومتناهية الصغر.
وفى هذا الصدد، قال تسى كون شى، المدير التنفيذى لمجموعة «دى.بى.إس»: «كما هو الحال مع أى اقتصاد، ستجد أن الشركات الصغيرة والمتوسطة هى حجر الأساس، فهى مسئولة فى المقام الأول عن الكثير من الأنشطة الاقتصادية لأى بلد، وبالتالى فهم يوظفون أيضا العديد من الأشخاص».
طرق جديدة للعمل
أدى المشهد الاقتصادى المتغير الناجم عن تفشى الوباء إلى تسريع التطورات التكنولوجية، حيث تكيف الأفراد والشركات مع طرق العمل الجديدة، بما فى ذلك نقل العمليات عبر الإنترنت، وهو الأمر الذى كان عملاق التكنولوجيا الأمريكى «مايكروسوفت» يقدم يد العون فيه عبر مقره الرئيسى فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ فى سنغافورة، من خلال برنامج المقابلات «مايكروسوفت تيمز» وخدمة الحوسبة السحابية «مايكروسوفت أزور».
وقالت فيونا كارنى، مديرة العمليات فى Microsoft APAC: «لقد شهدنا عامين من التحول الرقمى فى شهرين نتيجة تفشى كوفيد-19».
وذكرت كارنى أن استخدام برنامج «مايكروسوفت تيمز» ارتفع بنسبة %500 فى الصين بين شهرى يناير ومارس، على سبيل المثال، حيث انتقلت الشركات والمؤسسات التعليمية والحكومات إلى العمل من المنزل فى ظل عمليات الإغلاق التى شهدتها البلاد، مشيرة إلى أن الشركة كان يتعين عليها طرح أنظمة جديدة للعملاء فى أقل من 48 ساعة فى حالات عديدة.
وسجلت مجموعة «دى.بى.إس» زيادة سنوية نسبتها %30 فى اعتماد الخدمات المصرفية الرقمية فى النصف الأول من العام الحالى، فقد بحث الناس عن طرق جديدة لإدارة أعمالهم الشخصية عبر الإنترنت، ليصبح لدى البنك الآن 3.4 مليون مستخدم رقمى.
إعادة بناء الاقتصاد
رغم أن العديد من التطورات التكنولوجية الأخيرة ظهرت بدافع الضرورة، إلا أن مثل هذه الرقمنة السريعة قد تساعد فى تسريع التعافى الاقتصادى فى سنغافورة والمنطقة.
وقدرت دراسة أجرتها شركتا «سيسكو» و«أى.دى.سى» الاستشارية بداية العام الجارى، أن التحول الرقمى للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ يمكن أن يضيف ما يتراوح بين 2.6 تريليون دولار إلى 3.1 تريليون دولار إلى الناتج المحلى الإجمالى للمنطقة وذلك بحلول عام 2024.