%80 من المواطنين يعملون فى القطاع العام
عندما حذر وزير المالية الكويتى الأسبق أنس الصالح فى عام 2016 من أن الوقت قد حان لخفض الإنفاق والاستعداد لحياة ما بعد البترول، تعرض لسخرية كثيرة من السكان الذين نشأوا على ما يبدو وكأنه تدفق غير منتهى من البترول.
بعد 4 أعوام، تكافح الدولة التى تعتبر واحدة من أغنى دول العالم لتغطية نفقاتها، حيث يثير الانخفاض الحاد فى أسعار الطاقة أسئلة عميقة حول كيفية إدارة دول الخليج العربية.
رحل الصالح منذ وقت طويل وانتقل إلى مناصب وزارية أخرى، ثم جاءت خليفته مريم العقيل التى انتقلت فى يناير الماضى، بعد أسبوعين من اقتراح الكويت إعادة هيكلة رواتب الموظفين فى القطاع العام التى تشكل العائق الأكبر على المالية العامة للدولة.
وحذر باراك الشيتان، الذى حل مكان العقيل، الشهر الماضي، من عدم وجود ما يكفى من المال لدفع رواتب الدولة بعد شهر أكتوبر المقبل، وجاءت تحذيرات الشيتان من الأجور بعد أن حاول دون جدوى إقناع المشرعين بدعم خطط اقتراض تصل إلى 65 مليار دولار.
وذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”، أن دول الخليج عادة ما تتسم بالبطء فى تعديل عادات الإنفاق الضخم مع انخفاض عائدات البترول، لذا فهى تتجه نحو لحظة من الحساب الاقتصادي، مما آثار جدلاً متجدداً حول مستقبل الدول التى اشترت ولاء الشعب على مدى عقود زمنية من خلال سخاء الدولة.
وفى هذا الصدد، قال فواز السرى، رئيس شركة بنسيرى للاتصالات السياسية والمالية: “سنستيقظ يوما ما وندرك أننا استنفذنا جميع مدخراتنا، ليس لأننا لم نتحقق من حسابنا البنكى، ولكن لأننا نظرنا إليه وقلنا ربما يكون هناك خلل بنكى، ثم اشترينا أحدث ساعات رولكس”.
وأشارت “بلومبرج” إلى أن مجموعة الدول المصدرة للبترول “أوبك” أعادت إنعاش البترول الخام من انخفاضه التاريخى هذا العام، لكن 40 دولاراً للبرميل لايزال منخفضًا للغاية، كما أن جائحة فيروس كورونا المميت والتحول نحو الطاقة المتجددة يهددان بإبقاء الأسعار منخفضة.
وأوضحت أن السعودية تقوم بالحد من السخاء الحكومى وتفرض الضرائب، كما تقترض كل من البحرين وعمان، حيث الاحتياطيات أقل، وتطلبان الدعم من جيرانهما الأكثر ثراءً، ونوعت الإمارات مصادرها مع ظهور مكانة دبى كمركز للخدمات اللوجستية والتمويل.
لكن فى الكويت، أدت المواجهة بين البرلمان المنتخب والحكومة التى يعين الأمير الكويتى رئيس وزرائها، إلى الجمود السياسى، فقد أحبط المشرعون خططاً لإعادة تخصيص المنح الحكومية وأوقفوا مقترحات لإصدار الديون.
وبدلاً من ذلك، كادت الحكومة الكويتية أن تستنفد أصولها السائلة، مما جعلها غير قادرة على تغطية عجز الموازنة الذى يتوقع أن يصل إلى ما يعادل 46 مليار دولار تقريباً هذا العام.
لقد كان تراجعاً تدريجياً بالنسبة للكويت، التى كانت فى سبعينيات القرن الماضى ضمن دول الخليج الأكثر ديناميكية، مع برلمانها ذو المواقف الصريحة وتراثها الريادى والأفراد المتعلمين.
واهتز الاقتصاد الكويتى بفعل انهيار سوق الأوراق المالية غير الرسمى عام 1982 والذى تزامن مع حالة عدم الاستقرار الناتجة عن الحرب العراقية الإيرانية التى استمرت قرابة عقد من الزمن، ثم انغمست الكويت فى نوبة من الإنفاق لإعادة تشييد البلاد بعد هجوم الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين الذى أدى إلى حرب الخليج عام 1991، واستغرق البترول سنوات حتى يتدفق بحرية مرة أخرى.
ولايزال 90% من دخل الكويت يعتمد على الهيدروكربونات، وتوظف الدولة 80% من الكويتيين العاملين الذين يتقاضون رواتب أعلى من نظرائهم فى القطاع الخاص، ويمكن أن يبلغ إجمالى مزايا السكن والوقود والطعام 2000 دولار شهرياً لعائلة متوسطة الحجم.
وتجدر الإشارة إلى أن الرواتب والدعم تستحوذ على 3 أرباع إنفاق البلد، الذى يتجه إلى سابع عجز على التوالى منذ ركود البترول فى 2014.
مدخرات منقذة للحياة
لكن الكويت لديها الكثير من الأموال المخبأة فى صندوق سيادى – رابع أكبر صندوق فى العالم تقدر قيمته بنحو 550 مليار دولار، حيث يعتبر صندوق الأجيال القادمة، المصمم لضمان الازدهار بعد نفاد البترول.
ويقول بعض الكويتيين، إن الوقت قد حان، بينما حذر المعارضون من إمكانية نفاد المدخرات فى غضون 15 إلى 20 عاماً بدون تنويع الاقتصاد وخلق فرص العمل.
أثرياء إلى ما لا نهاية
لقد بدأ صندوق الثروة السيادى فى الكويت تقديم يد العون بالفعل، حيث اشترى أصول تزيد قيمتها عن 7 مليارات دولار من سندات الخزانة فى الأسابيع الأخيرة، كما وافق البرلمان على خطط لوقف تحويل سنوى بنسبة 10% من عائدات البترول إلى الصندوق خلال سنوات العجز، وبالتالى تحرير 12 مليار دولار أخرى، لكن هذه القيمة غير كافية لتغطية عجز الموازنة.
وللقيام بذلك، يتعين على الحكومة الاقتراض، لكن أجل قانون الدين العام الكويتى قد انقضى بعد إصدار سندات اليورو للمرة الأولى فى عام 2017.