يقام معرض الصين الدولي للتجارة في الخدمات في بكين في الفترة من 4 إلى 9 سبتمبر الجاري تحت عنوان “الخدمات العالمية والتقاسم والمنفعة المتبادلة” في وقت تسعى فيه بلدان العالم إلى تعزيز حركة التجارة وإنعاش اقتصاداتها.
وفي السنوات الأخيرة، سجلت البلدان العربية قفزة كبيرة في التجارة الإلكترونية وازدهر تعاونها في هذا المجال مع الصين ولاقت منتجات عربية إقبالا كبيرا من المستهلك الصيني على مختلف منصات التسوق الإلكترونية الصينية.
وقد جاءت الدراسات لتؤكد تنامي دور التجارة الإلكترونية على الخريطة الاقتصادية الإقليمية والعالمية، حيث أفادت دراسة نشرتها مؤسسة “إي ماركتر” للأبحاث التسويقية بأن مبيعات مواقع التجارة الإلكترونية عالميا بلغت في عام 2019 نحو 3.5 تريليون دولار، بزيادة 20.7% عن 2018.
كما تشير التحليلات إلى أن المنطقة العربية تشهد نموا متسارعا في حجم التجارة الإلكترونية مع زيادة انتشار الإنترنت واستخدام الهواتف الذكية وظهور التقنيات الحديثة.
تجارة واعدة إقليميا
لقد استثمرت بلدان عربية عدة من بينها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر على مدى السنوات العشر الأخيرة في بناء بنية تحتية للاتصالات والإنترنت ذات مستوى عالمي.
ففي السعودية، شهد قطاع التجارة الإلكترونية تطورا هائلا، حيث أكد وزير التجارة والاستثمار السعودي الدكتور ماجد بن عبد الله القصبي في فبراير من هذا العام أن حجم السوق الإلكترونية السعودية من منتجات وخدمات تجاوز الـ80 مليار ريال (21.3 مليار دولار أمريكي)، وباتت تضم نحو 45 ألف متجر ومنصة تجارة إلكترونية.
وفي يوليو 2019، أصدر مجلس الوزراء السعودي نظام التجارة الإلكترونية، وقالت وزارة التجارة والاستثمار إنه يعزز من موثوقية التجارة الإلكترونية لزيادة مساهمتها في الاقتصاد الوطني لتحقيق أهداف رؤية “السعودية 2030”.
وفي دولة الإمارات، تحتل التجارة الإلكترونية في الوقت الراهن مكانة هامة وتمكنت من الوصول إلى آفاق جديدة، إذ يعتبر انتشار الإنترنت إلى جانب توفر البنية التحتية الرقمية المتقدمة، وزيادة عدد السكان الراغبين في تبني الحلول التي تعتمد على التكنولوجيا المتاحة عبر الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي من العوامل الداعمة لنمو التجارة الإلكترونية في الإمارات.
وأظهرت البيانات وصول حجم التجارة الإلكترونية في الإمارات خلال عام 2019 إلى نحو 18.5 مليار دولار (68 مليار درهم). وحلّت الإمارات في المركز الأول عربيا والعاشر عالميا على مؤشر ثقة التجارة الإلكترونية العالمي الصادر عن مجلة ((سي أي أو وورلد)) لعام 2020.
أما مصر فتضع استراتيجية للتجارة الإلكترونية تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتتكامل مع رؤية “مصر 2030” في ضوء ما لديها من مقومات داعمة تشمل توافر بنية أساسية وخدمات اتصالات متطورة فضلا عن تطور القطاع اللوجستيكي.
وقال محمد الإتربي، رئيس اتحاد بنوك مصر، إن مجال الاستهلاك في مصر يشهد تغييرا وأن هناك 60% من المستهلكين من الشباب الذين يستخدمون خدمات التجارة الالكترونية، لافتا إلى أن أحدث الإحصائيات تشير إلى نمو التجارة الإلكترونية في مصر خلال العام 2019-2020 لنحو 3 مليارات دولار، بينما كان لا يتجاوز 560 مليون دولار خلال 2015-2016.
تجارة عابرة للحدود
لقد ربط طريق الحرير القديم بين الصين والمنطقة العربية تجاريا وثقافيا وشعبيا منذ القدم. ومع تطور الأزمنة وتقدم صناعة المعلومات والاتصالات، جاء طريق الحرير الرقمي في إطار البناء المشترك للحزام والطريق، وأصبح جسرا للوصول إلى مجتمع ذي مستقبل مشترك يتقاسم فيه الجانبان نتائج التنمية ويستفيدان من تعاونهما الثنائي.
وفي السنوات الأخيرة، عززت منصة التجارة الإلكترونية العابرة للحدود “جولي شيك” التي أسستها شركة تشجيانغ “تشيو” الصينية نشاطها في العالم العربي عبر البناء المشترك لطريق الحرير الرقمي. وقد ارتكزت الشركة في نظامها الذكي للتسويق الدقيق على استخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة، وصارت منصتها أحد أكثر مواقع التسوق رواجا في بلدان المنطقة وتغطي حاليا أكثر من 80% من مستخدمي الإنترنت في ست دول عربية وهي الإمارات والسعودية وسلطنة عمان والبحرين وقطر والكويت.
وفي هذا الإطار، ذكر دينس دو، نائب رئيس شركة “جولي شيك” لمنطقة الخليج أن منصة شركته تعد نقطة الانطلاق لأكثر من 5 آلاف علامة تجارية صينية عالية الجودة، إضافة إلى أكثر من ألفي علامة تجارية دولية وإقليمية في المنطقة، ومن خلال عملها وشراكاتها تدعم نحو مليون وظيفة عالميا، فيما يستفيد من المنصة ما يتجاوز 50 مليون شخص في العالم العربي.
وخلال النصف الأول من هذا العام، ارتفع عدد المدن التي تغطيها شبكة توزيع “جولي شيك” في السعودية من 60 مدينة قبل جائحة كوفيد-19 إلى ما يقرب من 100 مدينة.
كما دُعيت الشركة للمشاركة في العديد من الندوات التي نظمتها الدول العربية لمشاركة نهج المنصة الرقمية في مواجهة تحديات الجائحة.
كما أشار دينس دو إلى أن منصة “جولي شيك” تشهد نموا متسارعا في عدد المنتجات والسلع المعروضة يصل إلى 100% شهريا، وذلك نتيجة مباشرة لمشاريع المنصة التوسعية وشراكاتها الناجحة مع مختلف الموردين والعلامات التجارية، بما يسهم في تقديم خدمة استثنائية تتسم بالجودة والسرعة والسهولة والأسعار المنافسة.
تجارة تقرب بين الشعوب
يزداد توجه الصينيين عاما بعد عام إلى التسوق عبر الشبكة العنكبوتية لما يمثله من سهولة ويسر عبر نقرة واحدة على الهاتف المحمول أو جهاز الكمبيوتر. فخلال مهرجان “618” للتسوق عبر الإنترنت في الصين هذا العام والذي امتد من أول يونيو حتى الـ18 من الشهر ذاته، تم إجراء إجمالي 26.18 مليار صفقة بقيمة 16.91 تريليون يوان (حوالي 2.38 تريليون دولار أمريكي)، بارتفاع نسبته 52 و42% على التوالي مقارنة بالعام الماضي.
وفي السنوات الأخيرة، صار من الشائع رؤية العديد من المنتجات العربية المميزة في سلال التسوق الإلكتروني للصينيين ومن بينهم فانغ بين بين “32 عاما” التي قالت “أحرص دائما على اختيار البرتقال والعنب المصري اللذين تحبهما ابنتي كثيرا في كل مرة أشتري فيها بعض احتياجات أسرتي من على منصة “تيان ماو” الصينية للتجارة الإلكترونية”.
فالبرتقال المصري الطازج يلقى رواجا كبيرا بين الصينيين منذ وصوله إلى الصين عام 2015. فقد تم تصدير قرابة 100 ألف طن منه إلى الصين هذا العام بعد أن أصبح شحنه أكثر سهولة، إذ لا يحتاج سوى إلى 22 يوما فقط انطلاقا من مينائي الإسكندرية وبورسعيد إلى مدينة قوانغتشو الصينية عن طريق البحر.
ومن ناحية أخرى، تباع الآن منتجات سورية ومن بينها منتجات الورد على 6 منصات إلكترونية في الصين وتُعرض في سوق يضم ملايين الزبائن، هكذا أكدت دونغ جينغ يان، الشريكة الصينية لصاحبة شركة سورية لاستخراج زيت الوردة الشامية.
كما صار بإمكان فانغ بين بين شراء الروبيان السعودي عالي الجودة عبر التسوق الإلكتروني حيث يعد واحدا من الأطباق المفضلة على مائدة أسرتها. فقد وقعت الصين والسعودية اتفاقية ثنائية لتصدير الروبيان الأبيض المجمد السعودي إلى الصين، ومن المتوقع بحسب الاتفاقية المبرمة أن يتم تصدير نحو 80 ألف طن بحلول عام 2020.
ومع فتح الصين أبوابها بصورة أكبر على العالم الخارجي، يزداد ظهور منتجات عربية أمام المستهلك الصيني مثل التمر السعودي والإماراتي وزيت الزيتون التونسي وصابون الغار السوري ولوازم السرائر المصنوعة من القطن المصري طويل التيلة وقناع طين البحر الميت الأردني، ليزداد التواصل والتبادل والتعارف بين الجانبين.
ويأتي انعقاد معرض الصين الدولي للتجارة في الخدمات، الذي يعد منصة تجارة الاستيراد والتصدير الشاملة الوحيدة في العالم التي تغطي 12 فئة من تجارة الخدمات التي حددتها منظمة التجارة العالمية، ليوفر منصة لتطور الشركات المحلية والأجنبية وإتاحة فرص تعاون أكبر تحقق نتائج ملموسة وكسب مشترك.