توافر التمويل الخاص يقلل جاذبية الإدراج فى البورصات
المستثمرون يعبرون عن أسفهم لعدم وجود أبطال أوروبيين قادرين على منافسة الشركات الأمريكية
رغم تصدر الأخبار المتعلقة بأسهم شركات التكنولوجيا فى جميع أنحاء العالم، عناوين الصحف، إلا أن أهم الأخبار المتعلقة بالقطاع فى أوروبا تدور حول شركة تتطلع إلى مغادرة الأسواق العامة.
فقد استطاعت شركة “روكيت إنترنت” الأوروبية، التي تعمل على بناء شركات ناشئة عبر الإنترنت، ومقرها برلين، جلب 9 اكتتابات عامة أولية على الأقل إلى السوق خلال الأعوام الخمسة الماضية، لكنها قالت مؤخراً، إنها ستكون في وضع أفضل كشركة غير مدرجة في البورصة.
وذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”، أن الأساس المنطقي لهذه الخطوة مألوف للغاية، فالوصول إلى التمويل الخاص سهل للغاية بشكل يحد من الحاجة للحفاظ على الإدراج في البورصة، وبالتالي يضاف القرار إلى المشاكل طويلة الأمد لصناعة التكنولوجيا في أسواق رأس المال الأوروبية.
وفي هذا الصدد، أعرب المستثمرون عن أسفهم لعدم وجود أبطال أوروبيين قادرين على منافسة الشركات الأمريكية ذات الوزن الثقيل، ومنها “أبل” و”ألفابيت” التي تتبعها شركة “جوجل”، كما أنه لا يوجد أي دليل على أن المنطقة على وشك إنتاج بطل واحد قريباً.
وأوضحت “بلومبرج”، أن ندرة شركات التكنولوجيا هي المشكلة الأكبر التي تواجه أوروبا، وبالتالي انخفاض أعداد الشركات الناشئة وشركات اليوني كورن، وهي شركات رأسمالها يتخطى مليار دولار.
حتى بالنسبة للشركات التي تبدأ خطواتها في المنطقة، غالباً ما تصبح الولايات المتحدة أكبر سوق بالنسبة لها، وفقاً لما قاله أوكسي جوركوت، العضو المنتدب في “بنك أوف أمريكا” الرائد في مجال إنشاء التكنولوجيا في امتياز أسواق رأس المال لأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.
وأظهرت البيانات التي جمعتها “بلومبرج”، أن 16 شركة تكنولوجية فقط طُرحت في أوروبا خلال العام الحالي، وهو أدنى عدد منذ أكثر من عقد من الزمن.
علاوة على ذلك، قام مستثمرو القطاع الخاص، ممن يتمتعون بفائض من السيولة، بشراء العديد من المرشحين للاكتتاب العام، مما أدى إلى زيادة تقييمات الشركات غير المدرجة في البورصة عند القيام بذلك، وحمى الأسواق العامة الأوروبية من الأسعار المرتفعة.
وتصبح فجوة التقييم في أوروبا أكثر وضوحاً عند مقارنتها بالولايات المتحدة وآسيا، مما يجعل إدراج الشركات أقل جاذبية بالنسبة لشركات التكنولوجيا.
وقال مدير صندوق الأسهم العالمية في “ليجال آند جنرال إنفستمنت مانجمنت”، شوناك مازومدر: “إذا أدرجت شركة تسلا في أوروبا، فإن قيمتها ستكون عند نصف أو حتى 20% من قيمتها الحالية”، موضحاً أن المستثمرين الأمريكيين يدركون قوة الاضطراب وشهدوا هذه الأحداث من قبل، بينما تركز الصناديق الأوروبية بشكل أكبر على الربح على حساب الابتكار.
وأفاد جوركوت، من “بنك أوف أمريكا”، بأن ثمة عدد أكبر من مستثمري التكنولوجيا المتخصصين في الولايات المتحدة الذين يفهمون شركات التكنولوجيا المتخصصة بشكل أفضل، بجانب مجموعة أكبر من الأقران والأسهم المماثلة في السوق، لكن هذا لا يعني صعوبة الحصول على تقييمات جيدة في أوروبا.
كانت الخدمات المالية واحدة من مجالات عالم التكنولوجيا التي ازدهرت في أوروبا والتي شهدت صفقات فارقة، فقد جاءت بعض أكبر الاكتتابات العامة الأولية في القارة العجوز عام 2019 من مقدمي خدمات الدفع “Nexi SpA” و”نتورك إنترناشيونال هولدينجز”.
كما أعلنت مجموعة “يونيفيد بوست” للتكنولوجيا المالية، مؤخراً، عن خططها للإدراج في بورصة “يورونكست” الأوروبية، متوقعة جمع ما يصل إلى 212 مليون يورو ( 252 مليون دولار).
وقال ديباسيش تشاكرابارتي، مدير محفظة لدى شركة “أليانس بيرنشتاين”، إن صناعة التكنولوجيا الأوروبية لديها القدرة على لعب دور في كل قطاع من قطاعات التكنولوجيا الرئيسية الأربعة، وهي أشباه الموصلات وما يرتبط بها من نفقات رأسمالية والأجهزة التكنولوجية والبرمجيات والتكنولوجيا المالية، مشيراً إلى أن بعض أفضل شركات التكنولوجيا المالية ومنها “أديين” الهولندية و”وورلد باي” الأمريكية انبثقت من أوروبا.
ومع ذلك، تفتقر البورصات الأوروبية عموما إلى قواعد الإدراج التي تمنح المؤسسين المزيد من حقوق التصويت وحماية أكبر، مما جذب بعض شركات التكنولوجيا في الخارج.
فعلى سبيل المثال اختارت خدمة البث السويدية “سبوتيفاي تكنولوجي” ومجموعة “فارفيتش” لتكنولوجيا البيع بالتجزئة ومقرها المملكة المتحدة الاكتتاب العام في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.
ولم يمر الأمر دون أن يلحظه أحد.. بل حاول المنظمون الأوروبيون تعزيز عمليات الإدراج التقنية ودعم الشركات الناشئة في ظل تفشي جائحة فيروس كورونا، لذا أنشأت فرنسا صندوق إنقاذ بقيمة 4 مليارات يورو لشركات التكنولوجيا المحلية الصغيرة، كما تدرس ألمانيا أيضاً تقديم حزمة إنقاذ للقطاع.
ويتوقع جوركوت، في “بنك أوف أمريكا”، طرح عدد قليل جداً من شركات التكنولوجيا في السوق في المنطقة خلال الفترة التي تتراوح بين 9 و12 شهراً المقبلة.
وتتضمن شركات التكنولوجيا الأوروبية التي يقال إنها ستصطف للاكتتابات العامة الأولية في الأشهر المقبلة، عملاق التجارة الإلكترونية البولندي “أليجرو”، وشركة “داركتريس” البريطانية للأمن الإلكترونى، كما أعلن مقدم خدمات الدفع السويدي “كلارنا بنك” أيضاً أنه يستعد للاكتتاب العام في العام المقبل أو نحو ذلك.