مع استمرار التأثير الواسع لفيروس كورونا على أنشطة الأعمال في معظم دول العالم، تواجه الصناعة المصرفية العالمية تحدياً كبيراً للمساعدة في الحفاظ على استمرار العمل أثناء عمليات الإغلاق، ومساعدة كيانات الأعمال المختلفة على التعايش وممارسة العمل بشكل أفضل حتى مع استمرار الوباء في الانتشار.
لا شك أن الصدمة الاقتصادية كانت حادة وشديدة. ومع ذلك، تصرفت الحكومات والبنوك المركزية بسرعة، وأطلقت مجموعة من حزم التحفيز المالي والنقدي لدعم الشركات التي تعاني من مصاعب مالية، وتوفير السيولة للأسواق المالية، ومساعدة ملايين الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم. كما تعمل البنوك باجتهاد ملحوظ لمساعدة الشركات على توفير التمويل أو إعادة جدولة أقساط التسهيلات الائتمانية.
ومع ذلك، في ضوء عدم توفر دلائل قوية في الأفق للخروج من الأزمة، حتى ومع انخفاض الإصابات بفيروس كورونا، تدرك البنوك تماماً أن كيفية استجابتها للأزمة الآن ستحدد كيفية إعادة صياغة أعمالها في المستقبل. في حين أن البنوك تدرك مسؤوليتها نحو تقديم الدعم للعملاء أثناء الأزمة، فإنها تعمل على استخدام الأدوات التي طورتها على مر السنين لتحقيق التوازن بين مسؤوليتها تجاه العملاء من ناحية، وتحقيق أهداف الربحية من ناحية أخرى.
هناك عدة أشكال للدعم الذي تقدمه البنوك لعملائها ومن ثمَّ الاقتصاد. فقد أطلق البنك المركزي المصري عدة مبادرات منذ شهر مارس الماضي للمساعدة في تخفيف الأثار التي خلفها انتشار فيروس كورونا، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. وشمل ذلك حزم إجراءات لقطاعات الأعمال المتعثرة بما في ذلك قطاع السياحة والصناعة. بالإضافة إلى ذلك، قدمت البنوك الدعم لقطاع عملاء التجزئة والشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال إجراءات إعادة الجدولة وإعفاء الرسوم.
ولكن بقدر ما تحرص البنوك على مساعدة العملاء خلال هذه الفترة، فإنها تدرك أيضاً الحاجة إلى إعطاء الأولوية للحفاظ على سلامة الموظفين، وتخفيف الضغوط التي يواجهها موظفوها أثناء العمل من المنزل. بالتالي، ومع بقاء حجم العمل اليومي في البنوك ثابتاُ يتخلله فترات نشاط مكثف، تسعى البنوك إلى تخفيض التواجد الفعلي للموظفين في مكان العمل.
من الأمور الحاسمة لاستمرارية العمل بشكل سلس هو التأكد من أن الموظفين قادرين على الدخول عن بُعد إلى أنظمة وشبكات البنوك الإلكترونية بطريقة آمنة لتجنب أخطار الاحتيال أو المخاطر المتعلقة بتسريب البيانات. لذلك، يجب على البنوك أن تتأكد من مدى كفاءة قدراتها في إدارة المخاطر لتنفيذ الأنشطة المتعلقة بالأعمال عن بُعد.
أكثر من أي وقت مضى، كشفت الحاجة إلى العمل عن بُعد عن تحديات تنفيذ مهام العمل بأسلوب مختلف. لذلك، يجب على البنوك أيضاً مراجعة السياسات وإجراءات العمل الحالية التي تنظم الأعمال التي يمكن للموظفين تنفيذها عن بُعد، وتلك التي تتطلب التواجد الفعلي في مقر العمل. ومع ذلك، ثبتت التجربة أنه من الممكن العمل عن بُعد بشكل فعال، مما يثير جدل حول جدوى العمل في مقار البنك مقابل أداء العمل عن بُعد بشكل دائم مستقبلا، وهو الأمر الذي سيحدد ما إذا كانت البنوك سترى حاجة ضرورية في المستقبل لشغل مكاتب فاخرة أم لا.
بشكل عام، تتطلب البيئة الحالية تفكيراً جديداً بشأن المرونة في أداء الأعمال، سواء كان من العملي وجود جميع الموظفين تحت سقف واحد، أو ما إذا كان من الممكن تنظيم العمل بحيث يمكن إنجازه عن بُعد. وهذا يتيح درجة عالية من المرونة في أداء العمل دون التأثير على الجودة والكفاءة والأمن.
ومع تخفيف التواجد الفعلي للموظفين في البنوك، تتمثل إحدى أكبر الفرص للخروج من أزمة فيروس كورونا في مدي الاقبال السريع للعملاء لتجربة الخدمات المصرفية الرقمية. فقد أدى الالتزام بتعليمات البنك المركزي بتفعيل العمل عن بعد لبعض الموظفين وذلك سواء من المنزل أو من مواقع مختلفة بما يتماشى مع الإجراءات الاحترازية التي أقرها البنك المركزي، أدى إلى زيادة كبيرة في الاعتماد على الخدمات المصرفية الرقمية من جانب العديد من قطاعات العملاء. وقد أدى ذلك إلى تسريع تنفيذ خطط التحول الرقمي للبنوك. بينما عانت بعض البنوك في السابق من تشجيع العملاء على التحول إلى القنوات الرقمية للخدمة المصرفية، يستغل العملاء الآن الوقت لتعلم الاستفادة بأكبر قدر من الخدمات الرقمية.
من المعتقد أن البنوك التي تمكنت من إيصال التكنولوجيا لعملائها بسرعة ستستحوذ على حصة سوقية أكبر. وفي ضوء قصر ساعات العمل في فروع البنوك الذي حددها مؤخرا البنك المركزي لاستقبال الجمهور من الساعة الثامنة والنصف صباحاً إلى الساعة الثالثة عصراً بالنسبة للعملاء، فمن الأهمية بمكان أن تسعى البنوك على تشجيع العملاء لاستخدام الخدمات المصرفية الرقمية لضمان أن يصبح استخدام تلك القنوات الرقمية مجرد روتين يألفه العملاء، مما يفتح فرصاً بعد الأزمة في زيادة المستخدمين وتحقيق وفورات مستدامة في التكاليف.
في النهاية نعتقد أن التكلفة النهائية لفيروس كورونا غير معروفة حتى الآن. ومع ذلك، من الواضح أن البنوك لديها فرصة لضمان توجيه العملاء بنجاح خلال هذه الأزمة إلى أنماط جديدة من التعامل باستخدام القنوات الرقمية للخدمات المصرفية، مما يتيح التكيف السريع مع “الوضع الطبيعي الجديد” الذي ينتظرنا.
بقلم: هانى أبوالفتوح
خبير مصرفي