العائد الحقيقى كان بالسالب قبل إصلاح سعر الصرف وحاليًا من أعلى المعدلات فى العالم
قال بنك الاستثمار الأمريكى جولدمان ساكس، إن الفرصة باتت مواتية لخفض أسعار الفائدة فى مصر مع تراجع التضخم مجددا لكن البنك المركزى قد يفضل تثبيتها على المدى المتوسط للحفاظ على تدفق الاستثمارات الأجنبية فى الدين الحكومى.
وقال البنك فى مذكرة بحثية مؤخرا إن بيانات التضخم عن شهر أغسطس، كشفت تراجع التضخم إلى 3.4% على أساس سنوي مقابل 4.2% فى يوليو، وهو أدنى من توقعاتهم عند 4.3%.
وأضاف أن الانخفاض فى معدل التضخم العام كان مدفوعًا بصورة أساسية بتراجع أثر سنة الأساس، وضعف نمو أسعار الغذاء التى تمثل نحو 40% من الوزن النسبى لسلة أسعار المستهلكين، كما أن المعروض الكافى من الجهات الرسمية والعسكرية، سواء من المواد محلية الصنع أو المستوردة، يقف وراء تراجع تضخم المواد الغذائية.
أوضح أن ذلك أدى لانخفاض هيكلي فى تضخم الغذاء، لكن بوتيرة أسرع من المتوقع الأمر الذي فجر المفاجئات في بيانات التضخم خلال الشهور الثلاثة الماضية، ووضع مخاطر هبوطية لتوقعات التضخم.
واستنادا إلى معدل التضخم المعلن فى أغسطس خفض البنك توقعاته للتضخم إلى 5.1% على أساس سنوي بنهاية العام الحالي وهو أقل من نطاق البنك المركزي المستهدف ما بين 6 و12% وعن الذي أعلنه محافظ البنك المركزى عند 6% بنهاية العام.
وقال إن ذلك يعني أن الفوائد الحقيقية ستظل مرتفعة لفترة أطول، ما يفسح المجال أمام البنك المركزي لخفض الفائدة خاصة أن الفائدة الحقيقية أعلى مقارنة بالمتوسطات التاريخية لمصر ومقارنة بالأسواق الناشئة، فسعر الخصم الحالى 9.75% والفائدة على أذون الخزانة أجل عام 13%، ما يعني أنه بعد خصم معدلات التضخم يصبح العائد الحقيقي لسعر الخصم 6.4% وحال احتساب فائدة أذون الخزانة أجل عام بعد خصم معدل التضخم المتوقع خلال عام والمقدر بنحو 6.6% يصبح العائد الحقيقي نحو 6.7%
أوضح أن العائد الحقيقى فى مصر كان صفر أو سالبًا بالنسبة لسعر الخصم وحوالى 1.5% لأذون الخزانة أجل عام خلال فترة ماقبل التعويم.
وذكر أن السيناريو الأساسي يرجح استقرارمعدل التضخم فى المدى المتوسط حول 7.5% ما يعني تراجع الفائدة الحقيقية إلى نحو 2% وهو ما يعتبره محللو البنك الأمريكي أنه مستوى متعادل.
وقال إن ذلك يدعم توقعات تثبيت البنك المركزى لأسعار الفائدة فى المستقبل القريب، حيث أن تلك المعدلات متوافقة مع مستهدفات التضخم على المدى المتوسط، لكن حال واصلت معدلات التضخم التراجع سترتفع معدلات الفائدة الحقيقية عن المستوى المحايد بما يفسح المجال أمام المركزي لخفض الفائدة فى المدى القريب.
ويفترض البنك وجود مجال لخفض الفائدة الحقيقة بالنظر إلى الصورة الأكبر للأسواق الناشئة حيث بقى متوسط معدلات الفائدة الحقيقية من 2013 عند 0% ومتوسط العوائد الحقيقية على أذون الخزانة نحو 1%، بجانب أن الجنيه كان أداؤه أفضل من عملات الأسواق الناشئة وخلال 18 شهرًا ارتفع نحو 12% أمام الدولار فى حين تراجعت عملات الأسواق الناشئة نحو 5.5% فى المتوسط خلال تلك الفترة.
وقال إن هناك متطلبات على مستوى السياسات المالية ترجح كفة تخفيض الفائدة على المدى القريب، بينها زيادة التحفيز النقدى للاقتصاد لاستيعاب تداعيات فيروس كورونا، التى أثرت بشكل كبير على الاقتصاد المصرى الذي يعتمد بشكل أساسي على ايرادات السياحة، ومن شأن التحفيز النقدى اضافة فاعلية على تدابير الحكومة لاحتواء الأزمة دون الإضرار بمستهدفات التضخم خاصة مع فجوة الانتاج وزيادة المعروض عن الطلب.
أوضح أن خفض الفائدة من شأنه دعم المالية العامة وتخفيف تكاليف التمويل الحكومى التى تمثل نحو 50% من الايرادات العامة، بما يحسن استدامة الدين، ويخفض نمو الفوائد بما يفسح المجال أمام تخفيف الضغط عن المالية العامة المضغوطة سلفًا من تداعيات كورونا.
وذكر أن هناك سببا آخر وهو تخفيف الضغوط الرافعة للجنيه بما يعالج الاختلالات الخارجية.
ونتيجة التدفقات المالية القوية من الاقتراض الحكومى وعودة استثمارات الأجانب فى محافظ الأوراق المالية، هناك عدة ضغوط رافعة للجنيه بما يرتفع بالمخاوف حول تنافسية العملة على المدى الطويل والنمو الاقتصادي، ومن شأن خفض الفائدة تقليل تلك الضغوط وتجنب الاختلالات على صعيد الوضع الخارجي فى المدى الطويل.
فى المقابل يرى البنك أن عدم اليقين فى البيئة العالمية والتحديات الخارجية على الأغلب ستجعل البنك المركزى يثبت الفائدة رغم ارتفاع فرص الخفض، وذلك رغم الاعتبارات القوية التى تدعم خفضها، لكن الأرجح أن المركزي سيبقى على أسعار العائد خلال الاثني عشر شهرًا المقبلة، فميزان مصر التجاري واصل التحسن فى ظل الطلب المحلي الضعيف وتراجع الواردات، لكن عجز الحساب الجاري بصفة عامة سيتسع على المدى القريب ليعكس فقدان الإيرادات السياحية وتحويلات المصريين بالخارج، بما يرفع احتياجات البلاد للتمويل من الخارج خلال العامين الماليين الحالي والمقبل، ورغم تغطية الحكومة لنصف تلك المتطلبات عبر الاقتراض، فالمتبقي يجب توفيره عبر مصادر أخرى أو عبر السحب من الاحتياطي بما يؤدى لتآكل الاحتياطيات الخارجية.
وقال إن ذلك يجعل هناك تعويلا أكبر على قدرة مصر فى جذب الاستثمارات الأجنبية خاصة فى سوق السندات المحلية، لدرجة تجعل مستثمرو المحافظ المالية أكثر حساسية نحو خفض الفائدة، فمن شأن تلك الخطوة تحفيز رد فعل محتمل غير ملائم لمستهدفات السياسات النقدية.
لذلك يرى البنك أن الأولوية فى المدى القريب هى حماية المركز الخارجى للاقتصاد المصرى من التهدور، والذى سيؤدى إلى ارتفاع التضخم، فى حال حدوثه، لذا ستكون السلطات حذرة فى أى خطوة من شأنها اعاقة تدفق استثمارات الأجانب للبلاد.