%22 انكماشاً فى اقتصاد مدريد مقابل 12% لبرلين العام الحالي
عادة ما تعتبر ساحة جران فيا، الواقعة في قلب مدريد، نافذة تسوق إسبانية على العالم، لكن الشارع، البالغ من العمر 100 عام، أصبح الآن شاهداً على الألم الاقتصادي الناتج عن تفشي جائحة فيروس كورونا، والتباعد المتزايد في قلب منطقة اليورو.
وعلى النقيض من ذلك، يعتبر الانتعاش في النشاط الاقتصادي الألماني واضحاً لأي شخص يسير على طول شارع زيل في مدينة فرانكفورت، أحد أكثر شوارع التسوق ازدحاماً في البلاد، فالشارع مكتظاً بالحشود.
قبل الوباء، كانت إسبانيا تنمو بوتيرة أسرع من متوسط النمو في منطقة اليورو، في حين كانت ألمانيا على شفا الركود، إذ تسببت نقاط الضعف التي طال أمدها في إعاقة النمو الاقتصادي.
كما أن أكبر اقتصاد في أوروبا يعتمد بشكل كبير على الصادرات المتضررة من تراجع التجارة العالمية، ويعاني قطاع صناعة السيارات فيه من التحول إلى السيارات الكهربائية.
ولكن في ظل تفشي فيروس كورونا في جميع أنحاء أوروبا، النصف الأول من 2020، انكمش اقتصاد إسبانيا بنسبة 22%، أي ضعف الانخفاض المسجل في الاقتصاد الألماني والبالغ نسبته 12%.
كما أن انتعاش ألمانيا كان مختلفاً أيضاً، إذ كانت مبيعات التجزئة هناك أعلى من مستويات ما قبل الوباء منذ مايو، في حين أنها لاتزال في مكانة متأخرة في إسبانيا.
وأوضحت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن أحد أسباب ضعف أداء اقتصاد إسبانيا هو الطريقة التي انتشر بها الوباء في شهري مارس وأبريل، وسرعة ارتفاع أعداد الإصابات مرة أخرى بعد بضعة أشهر، فضلاً عن أن إغلاق إسبانيا كان أكثر صرامة من ألمانيا.. وبالتالي فإن اقتصاد إسبانيا كان أكثر تعرضاً للمعاناة بشكل خاص بسبب اعتماده على السياحة.
وتعاني إسبانيا أيضاً من مشاكل هيكلية، مثل الخلل في سوق العمل.. فالبطالة بين الشباب تزيد على 40%، كما أن نسبة عالية من الشركات الصغيرة تفتقر إلى النقدية الكافية لتحمل الأزمة.
ورغم أن تعزيز اليورو يقوض القدرة التنافسية للمصدرين الألمان، إلا أن الزميل في معهد هوفر بجامعة ستانفورد، ملفين كراوس، قال إن سعر الصرف قد يؤثر على المصدرين في جنوب أوروبا بشكل أكبر لأنهم غالباً ما يكونون أكثر حساسية للسعر.
وكل تلك الأمور تدل على أن المفوضية الأوروبية تتوقع تراجع الناتج الإسباني بنسبة 10.9% هذا العام، أي أكثر بكثير من 6.3% المتوقعة لألمانيا.
وأشارت كبيرة الاقتصاديين لدى مؤسسة “جي + إيكونوميكس”، لينا كوميليفا، إلى أن الوباء أدى إلى اتساع نطاق الاختلافات الهيكلية بين شمال وجنوب منطقة اليورو، مما يوضح صعوبات وضع السياسة النقدية للمنطقة بأكملها.
وتجنب البنك المركزي الأوروبي حتى الآن تكرار أزمة الديون التي كانت سببا في اقتراب منطقة اليورو من حد الانهيار في عام 2012، وذلك من خلال شراء السندات الحكومية وضخ تريليونات اليورو من الأموال الرخيصة للغاية في النظام المالي، مما أدى إلى الحد من تكاليف الاقتراض.
لكن الاقتصادية كوميليفا أشارت إلى ضرورة معالجة هذا التفاوت، إلا أن إذا كانت هناك رغبة في امتلاك البنك المركزي الأوروبي لنصف جميع الديون الحكومية في منطقة اليورو في نهاية المطاف.
وفي هذا الصدد، حذرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاجارد، من هذا التفاوت خلال الأسبوع الماضي، لكنها أعربت عن أملها في قدرة صندوق التعافي الأوروبي البالغ حجمه 750 مليار يورو في تقديم يد العون.
ومع ذلك، أصبحت خطة الإنعاش الإسبانية موضوع مشاحنات سياسية، خاصة أن مدريد لم تضع بعد مقترحات مفصلة لإنفاق أموال الاتحاد الأوروبي البالغ قيمتها 140 مليار يورو، والتي من المقرر أن تتلقاها على مدى 5 أعوام.
وأوضح البنك المركزي الإسباني مؤخراً، أن الأزمة ستؤثر بشكل عميق على المالية العامة الإسبانية، مما دفع الدين المستحق للبلاد من 96.5% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي إلى ما يصل إلى 128.7% بحلول عام 2022.
وفي الوقت نفسه، تعتبر ألمانيا أقل تقيداً بالمخاوف المالية، فهي ستواجه عجزاً مالياً هذا العام بعد سنوات من فائض الموازنة، مما يرفع ديونها الوطنية إلى 75% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقامت برلين بزيادة حزمة تعافيها الاقتصادي، ووسعت نطاق مخطط العمل لوقت قصير، الذي دعم أكثر من 5 ملايين وظيفة، من 12 شهراً إلى 24 شهراً.
وقال النائب السابق لرئيس البنك المركزي الأوروبي، فيتور كونستانسيو: “المخاوف المتعلقة تسببت فى ارتفاع الديون ودفع حكومات الجنوب إلى كبح الإنفاق والانتظار لاستلام أموال الاتحاد الأوروبي في نهاية عام 2021، وإذا أخرت هذه الدول الإنفاق في العام المقبل، فسيؤدي ذلك إلى زيادة التفاوت الاقتصادي، وما يترتب عليها من عواقب مالية واجتماعية وسياسية”.
وأوضحت الاقتصادية ماريا خيسوس فرنانديز، أن المخاوف المالية تخاطر بتقييد نطاق تعافي إسبانيا، مشيرة إلى أن الحكومة الإسبانية تجري الآن مفاوضات مع رجال الأعمال والنقابات حول تمديد مخططات الإجازة الممولة من الدولة، والمقرر انتهائها بحلول نهاية شهر سبتمبر، لكن ينبغي العلم ، أنه لا يمكن إطالة أمد المخططات إلى أجل غير مسمى.
وقدرت فرنانديز، أن مخططات الإجازة ستكلف 14 مليار يورو هذا العام، وهو ما يقدر بثلثي قروض الاتحاد الأوروبي الطارئة البالغة 21 مليار يورو، والتي تلقتها إسبانيا للمساعدة في دفع إعانات البطالة.