زيادة الشهية للمنتجات الإلكترونية والمعدات الطبية تدفع حصة بكين العالمية لـ18%
تعرضت آلة التصدير الصينية لضغوط من جميع الاتجاهات خلال العام الماضي، إذ كانت الحرب التجارية الناشبة مع الولايات المتحدة تثقل كاهل الطلب، فضلاً عن تصاعد مستوى المنافسة من مراكز التصنيع الأخرى.
وإذا قمنا بتسريع الزمن حتى منتصف عام 2020، سنجد أن هيمنة الصين على الصادرات العالمية استطاعت تجاوز المستويات المسجلة في أي عام آخر، ويرجع الفضل في ذلك بشكل كبير إلى الوباء الذي نشأ داخل حدودها.
فقد ساهم فيروس كورونا، الذي ضرب التجارة العالمية، في زيادة الشهية للسلع المصنوعة في الصين، مثل المنتجات الإلكترونية والمعدات الطبية.
كما أن هذا الازدهار في الصادرات يدعم التعافي الاقتصادي المبكر للبلاد في الوقت الذي تعاني فيه الاقتصادات الكبرى الأخرى، مما يثير التساؤلات حول ما إذا كانت الميزة التجارية الحديثة للصين ستستمر بعد الوباء.
وفي الوقت الذي انخفض فيه الحجم الإجمالي للصادرات، قفزت حصة الصين من الصادرات العالمية، مقارنة بالمصدرين الكبار الآخرين إلى أكثر من 18% في أبريل، قبل أن تتراجع قليلاً إلى 15.9% في يوليو الماضي، وذلك وفقاً لما أظهرته البيانات الصادرة عن كل من “أكسفورد إيكونوميكس” و”هافر أناليتكس”.
وتحدث لويس كويجس، مدير بحوث اقتصادات آسيا لدى “أكسفورد إيكونوميكس”، مشيراً إلى القدرة التنافسية الأساسية للاقتصادات الآسيوية بقوله: “من السابق لأوانه شطب دور الصين في سلاسل الإمداد العالمية”.
وأضاف كويجس، أن تأثير الحصة السوقية كان مؤقتاً بشكل جزئي، لكن سيكون هناك بعض التحول الدائم، وهو الأمر الذي يجب أن يشكل مصدر فائدة بالنسبة لبعض الدول.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن نجاح الصين مؤخراً يرجع جزئياً إلى تراجع النشاط في أماكن أخرى، فضلاً عن المرونة الأوسع نطاقاً للصادرات في شرق آسيا، المدفوعة بتحول الطلب العالمي نحو المنتجات المناسبة لعالم يعمل من المنزل.
وبلغت الصادرات التايوانية، ومعظمها مكون من مكونات إلكترونية ومنتجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أعلى مستوى شهري لها على الإطلاق في أغسطس الماضي.
وفي كوريا الجنوبية، ارتفعت الصادرات السنوية لمنتجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في كل شهر من الأشهر الثلاثة الماضية، بعد أن سجلت انخفاضاً حاداً في أبريل.
واستفادت هذه الاقتصادات من الأعداد الأقل بكثير للإصابات بفيروس كورونا الأقل منذ الربع الثاني، فقد قامت الصين بالفعل بتخفيف قيود الإغلاق في أبريل الماضي، في الوقت الذي غرقت فيه دول أخرى في الفوضى الناتجة عن تفشي الوباء.
وتجدر الإشارة إلى أن حالات الإصابة الجديدة ظلت أقل في كل من الصين وتايوان وكوريا الجنوبية، مقارنة بما هي عليه في الولايات المتحدة وأوروبا.
وأوضحت الصحيفة، أن هذا الأمر مهد الطريق للاستفادة من التحول في أنماط الاستهلاك العالمي، فبالإضافة إلى ارتفاع صادرات الإلكترونيات في تايوان وكوريا الجنوبية، قفزت الصادرات الصينية من المعدات الطبية خلال الأشهر الـ7 الأولى من العام الحالى، كما وصل الفائض التجاري للصين مع الولايات المتحدة في أغسطس إلى 34.2 مليار دولار، وهو أعلى مستوياته منذ نوفمبر 2018.
وأشار كبير الاقتصاديين في بنك الاستثمار الفرنسي “ناتيكسيس”، ترين نجوين، إلى انقسام الأداء على المستوى العالي، فقد انعكس ذلك في كوريا الجنوبية التي سجلت أداءً جيداً على صعيد الإلكترونيات والمنتجات الطبية الاستهلاكية، في حين عانت الصناعات الثقيلة، مثل الشحن والسيارات، كما شهدت اليابان انخفاضاً في صادراتها على أساس سنوي للشهر السادس على التوالي في أغسطس الماضي.
وفي الصين، قدمت الدولة الدعم للتصنيع بطريقة وصفها كويجس، من “أكسفورد إيكونوميكس”، بأنها طريقة لا يمكن تصورها في الولايات المتحدة، لكنه أوضح أيضاً أن استجابة الصادرات في الصين تعود أيضاً إلى الشركات الريادية والمرنة، مضيفاً: “لا تقع أى من هذه الشركات تحت ملكية الدولة”.
وفي حين أن الصادرات الإجمالية كانت قادرة على التكيف مع الطلب المتغير، إلا أن الحالة المزاجية في مراكز تصنيعها مختلطة.
وقالت مديرة المبيعات في مصنع لعب الأطفال في مقاطعة جوانجدونج الصينية، كيكسن تشن، إن طلبات التصدير القادمة من أوروبا تتحسن، لكنها اعترفت بأن شركتها لاتزال يعاني.
وفي مكان آخر، ثمة دلائل على أن جوانب ازدهار الصادرات في شرق آسيا قد تكون مدفوعة بمخاوف قصيرة الأجل بشأن سلاسل الإمداد.
وفي هذا الصدد، قالت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، وهي أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، الشهر الماضي، إن شركات التكنولوجيا تقوم ببناء مخزونات أكبر، نظرا لشعور المستثمرين بالقلق تجاه إمكانية تسبب الموجة الجديدة لـ”كوفيد-19″ في تعطيل سلاسل الإمداد مرة أخرى.
في تايوان وكوريا الجنوبية، يشير الخبراء إلى أن الصادرات كانت مدعومة أيضًا بالطلب القادم من عملاق التكنولوجيا الصيني “هواوي”، وذلك قبل فرض الولايات المتحدة عقوبات ضد تلك الشركة، ويشير بعض الخبراء إلى أن الطفرة، خاصة في الصين، ما هي إلا تأثير مؤقت للوباء.
وفي الوقت نفسه، يشير الاقتصاديون في شركة “نومورا” إلى حزم التحفيز الاقتصادي في الغرب، التي قالوا إنها ساعدت في دعم الطلب الاستهلاكي على السلع المستوردة، مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة، لكن هذه الإجراءات تتناقض مع جهود التحفيز الأكثر صمتاً في الصين، التي ركزت على المعروض.
وقال الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية، براد سيتسر، إن الصين خفضت مستوى التحفيز واعتمدت بشكل أكثر على الصادرات لتعزيز انتعاشها الاقتصادي.