قد يتجه منتجو البترول نحو صدام آخر قبل نهاية العام، مع تبنى كبار المنتجين أى السعودية وروسيا لوجهات نظر مختلفة بشأن كيفية التعامل مع التعافى المتعثر فى الطلب على البترول.
ولدى تجديد القيود على السفر والتجمعات الاجتماعية عبر أوروبا، بجانب تقليص حزم الدعم الحكومى للشركات، تأثير سلبى على الطلب على الخام فى الوقت الذى بدأت فيه مجموعة أوبك بلس لمنتجى البترول – الذين خفضوا الإنتاج برقم قياسى عند 9.7 مليون برميل يوميا فى مايو – التفكير فى تخفيف القيود على إنتاجها، ويتعين علينا جميعا تذكر ما حدث فى المرة الماضية التى لم يستطيعوا فيها الاتفاق بشأن ما ينبغى فعله.
واستأنفت وكالة الطاقة الدولية ومنظمة الدول المصدرة للبترول خفض توقعاتهما للطلب على البترول العام الجارى، وخفضت وكالة الطاقة فى الشهرين الماضيين توقعاتها بمقدار 400 ألف برميل يوميا، بينما خفضت أوبك تكهناتها بمقدار 500 ألف برميل، وقد يخفضوا توقعاتهم أكثر.
وقال نيل أتكينسون، مدير قطاع البترول والأسواق فى وكالة الطاقة الدولية، فى حدث خاص بوكالة «بلومبرج» يوم الخميس الماضى إن الوكالة سوف «تقوم على الأرجح بخفض لتوقعاتها وليس ترقية» فى التقارير الشهرية المقبلة.
وقال المحللون فى بنك «ستاندرد تشارترد» بمن فيهم إيميلى أشفورد وبول هورسنيل، إن أكبر الرياح المعاكسة للطلب على البترول تأتى من انخفاض التبادل التجارى، وضعف الاقتصادات وما لذلك من تأثير على إغلاق الشركات وفقدان الوظائف.
وفى الوقت الذى كان من المفترض فيه أن يرتفع الطلب على البترول، يبدو أنه سيسير فى الاتجاه المعاكس مجددا، وسوف تتزامن جولة جديدة من العمل من المنزل والقيود على النشاطات الاجتماعية بسبب ارتفاع عدد الحالات فى أوروبا مع تقليص تدابير الدعم الاقتصادى، ويواجه استهلاك البترول فى الولايات المتحدة عقبات مشابهة مع انتهاء برنامج الدعم الحكومى فى 30 سبتمبر، حتى أن آسيا ليست محصنة وتعد تايلاند هى الدولة الوحيدة التى تقترب من رؤية تعافى على شكل حرف “V» فى الطلب على البترول وفقا لـ»ستاندرد تشارترد».
وبالطبع لا يتعلق الأمر بالطلب وحده، فالمساحة المتاحة للمعروض الإضافى من دول أوبك بلس تعتمد أيضا على كمية البترول الذى يأتى من مناطق آخرى، ويوجد على هذه الجبهة عدم يقين بقدر ما يوجد فيما يتعلق بالطلب.
وهناك مخاوف – أو ربما آمال إذا كنت منتج بترول منافس – من أن الإنتاج من البترول الصخرى الأمريكى سوف يتعرض لانخفاض كبير آخر فى الأسابيع والأشهر المقبلة، ويعد الاستخراج من الآبار فى أمريكا فى الوقت الحالى منخفض للغاية لدرجة أن التراجعات الكبيرة الشهرية فى الإنتاج قد تكون وشيكة حسبما حذرت آشفورد من «ستاندرد تشارترد».
وتظهر البيانات الشهرية الأكثر قوة من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن التراجع فى إنتاج الخام محليا العام الجارى كان أكثر حدة وعمقا مما أشارت إليه البيانات الإسبوعية المبدئية، وسوف يفسح المزيد من التراجع فى الإنتاج الأمريكى مساحة أكبر لمجموعة «أوبك بلس» لزيادة إنتاجها.
ولكن هناك مشكلات داخل المجموعة نفسها، كما ذكرت فى مقال سابق، ورغم أن نسبة الامتثال الكلية بتعهدات خفض الإنتاج كانت جيدة على نحو غير معتاد، فلا يزال القليل من الدول يكافحون لتطبيق تخفيضاتهم بالكامل.
كما أن أكبر متداولى البترول فى العالم – بما فى ذلك «فيتول جروب»، و»ترافيجور جروب» و»ميركيريا انرجى جروب» – ليس لديهم وجهة نظر موحدة بشأن مستقبل البترول على مدار الشهور القليلة المقبلة، ويقول ماركو ديرناند، المؤسس المشارك والمدير التنفيذى لـ»ميركيريا»: «لا نحتاج البترول الإضافى الذى تخطط مجموعة أوبك بلس ضخه بدءا من يناير، كما أن المديرين التنفيذيين فى «ترافيجورا» متشائمين، أما «فيتول» فلديها وجهة نظر متفائلة بشدة مقارنة بمنافسيها.
وفى ظل هذا القدر من عدم اليقين، لا عجب أن التوترات بدأت تظهر داخل مجموعة «أوبك بلس».
وأهم ما تريده السعودية هو منع أسعار البترول من التراجع، ويقول وزيرها للطاقة إن مجموعة أوبك بلس سوف تكون «استباقية ووقائية» لمنع المعروض من الارتفاع فوق الطلب، ويريد أن يجعل متداولى البترول «يراهنون على أعلى أسعار ممكنة».
أما نظيره الروسى، اليكساندر نوفاك، أكثر حذرا ويريد تجنب مراجعة أخرى للاتفاق بحيث يتم تمديده لنهاية أبريل 2022، وينص الاتفاق الحالى على إضافة المجموعة 2 مليون برميل يوميا لإنتاجها المشترك منذ بداية يناير المقبل، ويفضل نوفاك الانتظار لأطول وقت ممكن قبل اتخاذ أى قرار لتغيير ذلك.
ورأينا جميعا من قبل إلى أين يمكن أن يقود الخلاف بين أكبر وحشين فى مجموعة أوبك بلس، وكان هناك نزاع مشابه فى مارس الماضى عندما أرادت السعودية الحفاظ على الوضع الراهن بينما أرادت السعودية تعميق التخفيضات فى الإنتاج، وهو ما أدى إلى رفع قيود الإنتاج عن الجميع لوقت قصير ما دفع أسعار البترول للانخفاض دون 20 دولاراً للبرميل، ولا يريد أحد تكرار ذلك.
بقلم: جوليان لي، استراتيجي البترول في “بلومبرج”.
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”.