72 شركة أغلبها فى القطاع المالى قررت نقل أعمالها من لندن إلى لوكسمبرج فى 2018
باعتبارها واحدة من أصغر الدول فى الاتحاد الأوروبى، تتمتع لوكسمبورج بسجل يدعو إلى الفخر، فهناك اثنان من آخر خمسة رؤساء للمفوضية الأوروبية، أحد المناصب العليا فى الكتلة، كانا رئيسا وزراء لوكسمبورج السابقين، وهما جان كلود يونكر وجاك سانتر.
لذلك عندما صوتت المملكة المتحدة على مغادرة الاتحاد الأوروبى فى عام 2016، رأى القادة السياسيون والاقتصاديون فى لوكسمبورج فرصة جديدة لإحداث تأثير كبير، حيث تنافست مجموعة من دول الاتحاد الأوروبى للاستيلاء على الأعمال من مدينة لندن، التى تعتبر أكبر مركز مالى فى أوروبا.
وأوضحت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن تلك الدول وجدت جمهورا جاهزا بين البنوك التى تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها ومديرى الأصول الحريصين على إنشاء عمليات داخل السوق الموحدة للاتحاد الأوروبى لضمان استمرار بيع خدماتهم للشركات والمستثمرين فى جميع أنحاء الكتلة الأوروبية.
وبالتالى دخلت دوقية لوكسمبورج الكبرى فى منافسة مع أمثال باريس وأمستردام وفرانكفورت ودبلن، لكنها قالت، مع ذلك، إنها دخلت المسابقة بطريقة بسيطة تجنبت خلالها الإغراءات، مثل الإعفاءات الضريبية، التى كانت تقدمها دول أخرى.
يقول جيل واليرز، المستشار القانونى لتنظيم الأسواق المالية فى اتحاد المصرفيين فى لوكسمبورج: “قررت لوكسمبورج أننا لن نقفز على متن تلك السفينة، فنحن نتمتع بموقع جغرافى جيد جدا ويمكن الوصول إلينا بسهولة من لندن، كما أن شركات عديدة كانت موجودة بالفعل هنا، حيث كانت لوكسمبورج جيدة جدا فى تهيئة نفسها كبوابة إلى السوق الموحدة”.
بعد 4 سنوات من استفتاء الخروج، لا تزال الترتيبات المستقبلية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبى غير مؤكدة، وهو الأمر الذى كان بمثابة نعمة بالنسبة إلى لوكسمبورج، التى برزت كواحدة من أكبر الفائزين من خروج بريطانيا.
ووفقا لشركة “كيه بى إم جى لوكسمبورج”، أعلنت 72 شركة، تعمل جميعها تقريبا فى الخدمات المالية، بجانب قليل من الشركات الأخرى، من بينها شركة “إير بى إن بى” المتخصصة فى تأجير أماكن للعطلات عبر الإنترنت وشركة الاتصالات العالمية عبر الأقمار الصناعية “إنمارسات”، عن خططها لنقل عملياتها فى الاتحاد الأوروبى من لندن إلى لوكسمبورج فى عامى 2017 و2018، ليتجاوز بذلك هذا الرقم الـ35 شركة التى اختارت الانتقال إلى فرنسا، و31 شركة اختارت هولندا و30 شركة اختارت ألمانيا، حيث انتقلت معظم تلك الشركات فى العامين السابقين قبل مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبى بشكل رسمى فى نهاية عام 2019.
وفى الوقت الذى انجذبت فيه البنوك الاستثمارية نحو المراكز السياسية والاقتصادية فى باريس وفرانكفورت، توجهت الشركات التى تجنى الأموال من التداول اليومى فى الأسواق العالمية إلى أمستردام، التى تعرف بكونها مدينة ذات تاريخ ثرى فى التداول.
واستطاعت لوكسمبورج بناء نقاط قوتها فى الخدمات المصرفية الخاصة والاستثمار والتأمين وإقراض الشركات التى تطورت خلال النصف قرن الماضى، فى ظل ابتعادها عن الاقتصاد الصناعى.
وأشارت “فاينانشيال تايمز” إلى أن بنوك “جى بى مورجان” و”يوى بى إس” و”كريدى سويس” و”بنك لويدز” و”سيتى بنك” لديها خطط لنقل بعض عمليات لندن إلى لوكسمبورج.
وجاءت مجموعات “إم أند جى” و”جانوس هندرسون” و”فيديليتى” و”كولومبيا ثريدنيدل” وذراع إدارة الأصول لشركة التأمين البريطانية “بريدينشل” ضمن مجموعات مديرى الأصول الكبار الذين يتجهون إلى لوكسمبورج، فضلا عن شركات التأمين المتخصصة.
واستطاعت عمليات الانتقال مجتمعة إلى لوكسمبورج خلق نحو 3 آلاف وظيفة، وفقا لتقديرات جماعة الضغط لوكسمبورج “فور فاينانس”.
وكان الاستقرار المالى فى البلاد نقطة بيع مهمة للوافدين الجدد، حيث أوضحت بيانات المديرية العامة للمفوضية الأوروبية “يوروستات” وصول نسبة الدين فى البلاد إلى 22% من الناتج المحلى الإجمالى، وهى واحدة من أدنى النسب فى الاتحاد الأوروبى وحوالى ثلث تلك التى تعانى منها ألمانيا.
وفى يوليو، أعادت وكالة التصنيف الائتمانى “موديز” تصنيف الدولة عند Aaa، مستشهدة بمستويات الثروة العالية للغاية والأطر التنظيمية والمالية السليمة، موضحة أن مستويات الديون الحكومية المنخفضة فى البلاد وقوة السياسة المالية والقدرة على التنبؤ توفر حاجزا ضد الصدمات، مثل فيروس كورونا.
وحذرت المفوضية الأوروبية من استمرارية استخدام الشركات لكل من قبرص وإيرلندا ولوكسمبورج ومالطا وهولندا للانخراط فى التخطيط الضريبى العدوانى.
وقال نيكولاس ماكيل، الرئيس التنفيذى لشركة لوكسمبورج للتمويل، وهى هيئة بين القطاعين العام والخاص تروج للوكسمبورج كمركز مالى، إن الضريبة عنصر مهم ولكنها ليست العنصر الحاسم، فالمنافسة غير محددة بالضرائب.
وأوضح أن مخاطر زيادة الضرائب فى لوكسمبورج أقل مما هى عليه فى بعض الدول الأخرى، مضيفا أن قوانين العمل المرنة والانتشار الواسع للغة الإنجليزية والموقع الجغرافى فى قلب أوروبا كلها عوامل تساهم فى جعل بلاده جذابة.
ورغم اعتزاز لوكسمبورج بالفوز فى الأعمال التجارية، إلا أن العديد من المديرين التنفيذيين والسياسيين المحليين يعربون عن خيبة أملهم من مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبى، لأن مدينة لندن ولوكسمبورج تربطهما علاقة منفعة متبادلة، فقد كانت المملكة المتحدة حليفة للوكسمبورج فى استراتيجية السوق المالية فى الاتحاد الأوروبى.
وعندما كانت المملكة المتحدة جزءا من السوق الموحدة، كان بإمكان مديرى الصناديق إدارة مهامهم المكتبية فى لوكسمبورج وإدارة المحفظة فى لندن، لكن يمكن أن تتمزق مثل هذه العلاقات الآن فى ظل مغادرة البلاد للاتحاد الأوروبى.
وفى هذا الصدد، أوضحت مجموعة “ستاندرد أند بورز جلوبال”، العام الماضى، إن ذلك جعل لوكسمبورج ثانى أكثر دول أوروبا تعرضا لتأثيرات خروج بريطانيا، بعد أيرلندا.
وأشار الاتحاد الأوروبى بالفعل إلى أن شركات الاستثمار البريطانية التى لا تنشئ فرعا أو شركة تابعة فى الكتلة ستفقد الوصول إلى معظم أسواق الاتحاد الأوروبى، وبالتالى ستحتاج المملكة المتحدة ولوكسمبورج إلى إبرام اتفاقية منفصلة تسمح للشركات التى تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها بتقديم خدمات الاستثمار إلى الدوقية.