لم يمر سوى 6 أشهر منذ أن شعر الاتحاد الأوروبى بالذعر من حظر الدول المصابة بفيروس كورونا من بيع أقنعة الوجه الطبية لبعضها البعض وفرضها لتداير حمائية صارمة وتقييدها لصادرات المعدات الطبية الوقائية الأوروبية لبقية العالم.
وعزز الاندفاع العالمى لفرض قيود على الصادرات الطبية المخاوف من تدابير حظر ونقص للبضائع الحيوية الأخرى، وخاصة الغذاء، وبشكل عام خشيت الحكومات – بتشجيع من تحليل مثل تقرير معهد “ماكينزى العالمى” بشأن سلاسل الإنتاج والذى حظى باهتمام على نطاق واسع – من أن شبكات القيمة العالمية شديدة الامتداد جعلت الاقتصادات عرضة لاضطرابات الإمدادات.
وعادت الإجراءات البيروقراطية إلى الحياة، وفى أبريل، أعلنت الحكومة اليابانية عن حزمة بقيمة 2 مليار دولار للشركات لتنويع أو توطين سلاسل التوريد، والأسبوع الجارى، سوف تطلب الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى من المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد، أن تقيم أوجه الضعف فى القطاعات الاستراتيجية التى يمكن أن يتم تعزيزها فيما بعد بسياسة صناعية نشطة.
وفى انفصال عن سياسات الحكومات الديموقراطية السابقة، يتعهد جو بايدن “على الجانب الآخر من الأطلسى” بتوسيع مبادرة “اشتر الأمريكى” لشراء المنتجات المحلية وجلب إنتاج المنتجات الحساسة من الصين إلى الموطن.
ومع ذلك، فإن التوقعات المبكرة لتحول متزامن سريع فى سلاسل التوريد انحسرت، وتُظهر الشركات مقاومة لإجبارهم على جلب سلاسل التوريد للموطن.
وأشار الخبراء إلى أن الدافع تلاشى مع عدم تحقق اضطرابات على نطاق واسع فى إمدادات البضائع، ومن المرجح أن تواصل الحكومات محاولات التأثير عليها وهو ما يعكس على الأرجح التوترات الجيوسياسية.
ومقارنة بأزمة الغذاء العالمية فى 2007 و2008، كان هناك مجموعة قليلة من تدابير الحظر واسعة النطاق على صادرات الغذاء، ومن الغريب أن روسيا شكلت استثناءا، كما لم ترتفع أسعار الغذاء عالمياً، وباستثناء منتج أو 2 تأثروا بالتغيرات السريعة فى الطلب مثل مناديل المرحاض، لم يكن هناك أى نقص واضح فى السلع الاستهلاكية.
وأثرت القيود الناتجة عن “كورونا” على الصناعات كثيفة الاستهلاك للعمالة وكثيفة الخدمات الشخصية، خاصة النقل والسياحة والضيافة، ولكن القطاعات الصناعية كثيفة رأس المال وكذلك تجارة البضائع تضررت من تقلص الطلب وليس اضطرابات التوريد.
وقالت أنابيل جونزاليس، الزميل البارز فى معهد “بيترسون” للأبحاث ووزيرة التجارة السابقة فى كوستا ريكا: “بالنهاية، تؤخذ قرارات سلاسل التوريد وفقاً للأسس الاقتصادية مثل تكاليف الإنتاج والوصول إلى الأسواق الكبيرة مثل الصين، ومعظم هذه العوامل لم تتغير”.
وأضافت أنه قبل الوباء كانت بعض الشركات بالفعل تخفض المخاطر من خلال تنويع جزء من إنتاجهم بعيدا عن الصين إلى دول مثل المكسيك وفيتنام و”كورونا” شجع هذا الاتجاه ولم يخلقه.
وبالفعل، بعض الشركات اليابانية خاصة تلك التى تنتج معدات طبية أساسية فى الخارج تقدمت بطلبات للحصول على الدعم الحكومى، ولكن تردد الآخرون ذوى الاستثمارات فى الصين، وغادرت مجموعة قليلة من الشركات الأمريكية – التى عادة ما يكون لديها عمليات منخفضة القيمة فى الصين مثل صناعة الملابس وتجميع الهواتف الذكية، ولكن القليل منهم عاد إلى الولايات المتحدة، حتى أن تقرير”ماكينزى” نفسه أوضح أن قابلية تطبيق إعادة توطين واسعة النطاق لسلاسل توريد الصناعات عالية القيمة والابتكارات “منخفضة”.
ونظّم قطاع الأدوية الأمريكية – الذى عادة يوصف بأنه أحد القطاعات ذات الأولوية فى التوطين – هجوماً مضاداً على الضغط الرسمى، وقال إن إنشاء مرفق مستحضرات صيدلانية حيوية يستغرق من 5 إلى 10 سنوات ويكلف 2 مليار دولار.
وأشار إلى تأثيرات إعصار ماريا على إنتاج الأدوية فى بورتوريكو عام 2017 كدليل على عيوب التركز الجغرافى، وفى الاتحاد الأوروبى، قامت رابطات الأعمال مثل كونفدرالية الشركات السويدية بمقاومة جماعات الضغط لصالح توطين سلاسل التوريد.
وأكد الاقتصاديون على أنه بخلاف التكهنات الشخصية من المبكر للغاية توقع إذا كان الوباء سيكون له تأثير كبير على الاستثمار الأجنبى المباشر أم لا، ولكن قالت إميلى بلانكارد، الأستاذة المساعدة فى كلية “تاك” للأعمال فى جامعة دارتماوث، إن الحكومات على الأرجح وضعت أموالاً كثيرة لدعم المشتريات المحلية أو لإحداث تغييرات جذرية فى التنظيمات مثلما فعلوا مع شركات التكنولوجيا.
وأضافت: “أى تأثيرات طويلة الأجل للوباء على سلاسل القيمة العالمية لن تزيد على الاضطرابات التجارية التى شُهدت حتى الآن، ولكن يبقى أن نرى مدى تسريعة للسياسات التجارية التقيديية من قبل الحكومات فى المستقبل”.
بقلم: آلان بيتى، كاتب مقالات رأى يغطى الشئون التجارية والعولمة لدى “فاينانشيال تايمز”
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”