تعامل الحكومة مع الأزمة حكيم وجنبها انكماش الاقتصاد
طفرة القطاع العقارى الأعوام الماضية مدعومة بالمشروعات القومية وأثر وقف التراخيص محدود
قال باسم قمر، كبير الاقتصاديين فى البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية لمنطقة جنوب وشرق المتوسط، إن مصر البلد الوحيد ضمن مجموعة اقتصادات البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية المتوقع نمو اقتصاده بشكل ايجابي خلال الفترة المقبلة، وهو إنجاز قوى لم يكن ليتحقق بدون الإصلاحات الاقتصادية.
تابع: “التجربة المصرية والقرارات التى تم اتخاذها فى وقت كورونا بعدم الإغلاق الكلى كانت حكيمة فحين نقارن عدد الوفيات بعدد الحالات فى مصر بالنظر للدول النامية الأخرى واقتصادات البنك الأوروبى لإعاداة الإعمار والتنمية، نجد أن ما تم تنفيذه على مستوى راق جدا من القكر والتطبيق ما سمح لمصر ان يكون لديها معدل نمو مرتفع”.
وقال إن الحكومة قدمت دعما للمستثمرين، فى حدود الحيز المالى المتاح امامها كما أن القوات المسلحة حاولت التخفيف عن المواطنين عبر توفير السلع بأسعار فى المتناول عبر المنافذ المختلفة بجانب توصيلها للمناطق النائية.
ونوه إلى أن القطاع الخاص فى مصر لعب دورا فى تخفيف تداعيات الأزمة وكان هناك تعاون على مستوى عال ورؤية وبعد اجتماعى من قبل المستثمرين تجاه العمالة.
وذكر أن استجابة مصر للموجة الثانية من الوباء ستكون مشابهة لما حدث فى المرة الأولى لكنها الان باتت فى وضع أفضل وعلى معرفة اكثر بطبيعة الوباء وكيفية انتشاره والتعامل معاه و تجارب الدول الأخرى التى نجحت بجانب احتمال وجود مصل قد يحد انتشاره.
ورفع البنك الأوروبى لإعادة الإعمار توقعاته لنمو اقتصاد مصر إلى 2% خلال العام الميلادى الحالي بدلًا من 0.5% قبل ذلك و5% العام المالى المقبل بدلًا من 5.2%، وخلال العام المالي الحالى رجح انخفاض النمو إلى 3.3% فى ظل الرؤية المستقبلية الضعيفة لقطاع السياحة، والاضطرابات فى سلاسل الامداد العالمية وتباطوء الاستثمارات الاجنبية المباشرة.
وأشار إلى أن النمو فى مصر يقوده المشروعات القومية الضخمة، التى بدأتها الحكومة قبل الأزمة واسرعت فى تنفيذها بعد تفشي الجائحة، مستغلة حالة الركود لدى مطوري القطاع الخاص لزيادة معدلات التنفيذ فى مشروعات مثل العاصمة الادارية الجديدة، بجانب الطفرات فى عدد من القطاعات الاقتصادية على رأسها الاتصالات الذى كان ينمو بوتيرة سريعة لكنه قفز خلال الازمة نتيجة زيادة التعامل على كل ما هو افتراضى والإقبال على الانترنت.
لكن فى الوقت نفسه، معدل النمو السكانى فى مصر الذي يقارب 2.5% يتطلب معدلات نمو أعلى لتوفير فرص عمل لتلك القاعدة العريضة من الشباب، مشيرا الى أن المتوسط التاريخى لمعدلات النمو فى مصر ما بين 5 و6% لذلك فإن تباطوء النمو عن ذلك يعتبر كسادًا، لكن ذلك مقبولًا فى ظل أزمة.
واستبعد قمر تأثير الوقف المؤقت لرخص البناء فى المحافظات الكبرى، على نمو القطاع العقاري، الذي يعد لاعبًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى أن الطلب على سوق العقارات فى المحافظات القديمة مثل القاهرة والاسكندرية والجيزة، تباطأ خلال السنوات الماضية، لذلك وقف التراخيص قرار ممتاز من الجانب الاقتصادي، سيساهم فى موازنة المعروض والطلب، وخفض الضغوط السعرية على الوحدات.
تابع: معظم مساهمات القطاع العقاري فى النمو خلال السنوات الماضية، و استيعابه لقوة العمل جاءت نتيجة التوسع فى المدن الجديدة والمشروعات الضخمة، لذلك من المستبعد أن يتأثر النمو، كما أنه يحفظ الشكل الحضارى للمحافظات بعد تفشى البناء العشوائى الذي يتميز بسوء التشطيب وفى الوقت نفسه يسهم القرار فى إسراع معدلات التنفيذ خارج المحافظات المتكدسة.
مساهمة السيدات فى سوق العمل غير الرسمى قوية ولا تعكسها الإحصائيات
وقال قمر، إن انخفاض نسبة السيدات إلى قوة العمل الشهور الثلاثة الأخيرة يعكس اضطرار الكثير من الأمهات العاملات للتخلى عن وظائف للاعتناء بالاطفال بعد اغلاق الحضانات والمدراس، بخلاف توقف أنشطة تساهم المرأة فيها بشكل قوى مثل السياحة نتيجة تفشى الوباء.
أوضح: “لكن بصفة عامة مساهمة السيدات إلى قوة العمل ضعيفة فى الأرقام الرسمية، لكن ذلك ربما لا يعكس حقيقة مساهمتها فى ظل تفضيل السيدات العمل فى القطاع غير الرسمي خاصة أن اجراءات الخروج من السوق معقدة ما يجعل دخوله أيضًا صعب، فاجراءات تسجيل وشطب الشركات مازالت معقدة وفى حقيقة الأمر هذه واحدة من معوقات الاستثمار”.
وذكر أنه بصفة عامة الاصلاحات الهيكلية بمختلف أشكالها لم تختلف عن المطالب خلال السنوات الماضية، فرغم أن برنامج مصر مع صندوق النقد ساهم فى تثبيت أقدام الاقتصاد لكن مازالت البيروقراطية والتى تعد عائق كبير للاسثتمار موجودة بقوة مقارنة بالدول الأخرى التى تحرز تقدمًا فى ازالة العوائق أمام الدخول السهل والسريع للمستثمر”.
تابع: “لذلك فضمن الإصلاحات المهمة جدا خاصة فى زمن الكورونا هو رقمنة الاقتصاد وان كان فى الماضى لم نلحق بركب التطور التكنولوجى لكن الأزمة الحالية تجبر كافة الدول على التحول الرقمي”.
لدينا مشروع بالتعاون مع الحكومة لتمكين القطاع الخاص من المساهمة فى رقمنة الاقتصاد
وكشف أن البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية بالتنسيق مع الوزيرة الدكتورة رانيا المشاط لديه برنامج للتعاون لدعم القطاع الخاص لتمكينه من المساهمة فى رقمنة الاقتصاد فى كل القطاعات، على سبيل المثال دعم قدرات القطاع الخاص للاستثمار فى البنية التحتية الخاصة بالإنترنت والبرمجة التى تؤهل هذا الجيل للحصول على الخدمات التعليمية رغم قضاء يومين فقط فى المدرسة.
أوضح أن تزايد استثمارات القطاع الخاص فى التكنولوجيا الخاصة بالتعليم، قادرة على تحقيق طفرة، وتحول مصر لتصدير تلك التقنيات للمنطقة العربية، بعد موائمتها للغة العربية ما يرفع آفاق الاستثمار فى مصر بشكل قوى.
قانون البنوك يدعم جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى قطاعات التمويل والتمويل الرقمى
وقال إن قانون البنوك الجديد سيكون له تاثير قوى على الاستثمارات الخاصة، حيث تم وضعه وبلورته بهدف جذب استثمارات اجنبية فى قطاع التمويل والتمويل الرقمى، خاصة أنه سوق واعد فيه كثافة سكانية تزيد على 100 مليون مواطن جزء كبير منهم ليس لديهم حسابات بنكية مايجعل فرص النمو فيه قوية.
أوضح أن زيادة الاستثمارات فى التكنولوجيا قادر على اختصار طريق طويل من الإصلاحات البسيطة عبر طفرة تكنولوجية، كما حدث فى دول مثل الهند ودول افريقية مثل كينيا.
أضاف أن القانون يقوى مركز القطاع البنكي ويجعله اكثر ازدهارًا وهو ما سينعكس على الاستثمارات الأجنبية فى القطاعات الأخرى أيضًا.
الفائدة الحقيقية مرتفعة ويمكن خفضها إلى 3% أو 4% حال استمر تراجع التضخم
وقال إن خفض البنك المركزي لأسعار الفائدة كان متوقعًا، فالسياسة النقدية قائمة على إطار لاستهداف التضحم، وحيث إنه أقل من من المستهدفات ومستقر لمدة طويلة كان الخفض طبيعى فى ظل الفائدة الحقيقية المرتفعة.
وتوقع تراجع الفائدة لمستويات ما بين 7% و8% حال استقر التضخم فى حدود 4%، مشيرًا إلى أنه المتبع عالميًا أن تكون أسعار الفائدة الحقيقة من 3% إلى 4%.
ورجح استقرار التضخم عند مستويات منخفضة، لأسباب مختلفة بينها انخفاض سعر الدولار أمام الجنيه وبالتبعية انخفاض الضغوط التضخمية عن تكلفة الاستيراد والقطاعات المختلفة.
وقال إنه فى الوقت الحالي لا يعتقد أن استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية هو الأولوية للبنك المركزي، مرجحًا أن تكون الأولوية للتضخم ثم النمو، فمصر تمتلك احتياطيات نقدية قوية تغطى من 9 إلى10 أشهر من الورادات، ويتم إدارتها بشكل حكيم، كما أن عجز الحساب الجارى لم يتسع بصورة كبيرة فى ظل انخفاض الوارادت بشكل كبير الأمر الذي امتص جزء كبير من انخفاض إيرادات السياحة، ولذلك خفض تكلفة الاقتراض للمستثمرين لدعم النمو من جهة وكذلك للحكومة فى ظل اتساع عجز الموازنة بعد التوسع فى الإنفاق لتلبية احتياجات القطاع الصحي وتعزيز الانفاق الاجتماعى تزامنًا مع تراجع الإيرادات العامة.
تابع: “وبصفة عامة خفض الفائدة على أدوات الدين الحكومى ليس مرتبط بشكل مباشر بفائدة الكوريدور، فهو عرض وطلب، لذلك ستنخفض الفائدة عليها حينما تتحسن مؤشرات المالية العامة وتعود متطلبات التمويل لمستوياتها الطبيعية واستقرار الأوضاع وبالتالى إصدارات الدين من وزارة المالية، وانخفاض علاوة المخاطر بشكل طبيعي، ما يعنى أن استثمارات المحافظ المالية لن تتأثر بتحريك الكوريدور”.
ونوه إلى أن وزارة المالية كانت قد قطعت شوطًا قبل تفشى جائحة كورونا فى السيطرة على الدين العام وعجز الموازنة وأجرت العديد من الإصلاحات الهيكلية لكن أعاقها ما استجد من متطلبات لحماية الاقتصاد من تداعيات الجائحة.
على مصر إصلاح نظام المياه لدعم التنمية المستدامة وتحفيز الصادرات الزراعية
وكشف أن هناك نظاما عالميا جديدا مبنى على التنمية المستدامة لا رجعة فيه ومستقبل العالم خلال الثلاثين عامًا المقبلة، متجه بقوة نحو التنمية المستدامة وكل أهدافها ومن ضمنها السيطرة على التلوث البيئى وغيره من القضايا المتعلفة بالمناخ.
أضاف: “ولذلك يجب أن ننتج منتجات زراعية على اعلى مستوى من التنمية المستدامة وخالية من الكيماويات كى تستطيع مصر المنافسة واستغلال موقعها كسوق إقليمي مستقر فى مواجهة اضطرابات حركة النقل العالمية، وذلك يتطلب الاستثمار فى المياه لأن البلاد تعانى شحل مائيا ونواجه أزمة سد النهضة، لذلك يجب الاستثمار فى كل ماله علاقة بالترشيد المائى مثل محطات معالجة المياه والتحول إلى الرى بالتنقيط”.
وشدد أن واحدة من المشكلات التى يجب حلها فى مصر هو إصلاح نظام المياه بالكامل بداية من التعرفة، للتكلفة وذلك لجذب استثمارات القطاع الخاص فى هذا المجال.