100% ارتفاعاً فى نسبة الدين للناتج المحلى الإجمالى العالمى من 2019 وحتى 2022
تركت جائحة فيروس كورونا المميت العديد من المصابين مع أعراض موهنة بعد التخلص من العدوى الأولية، وهذا هو ما يعرف باسم «كوفيد طويل الأمد».
ومن المرجح أن ينطبق كل ما يتعلق بالصحة على الاقتصاد أيضاً، فالوباء لن يؤدى لمعاناة العالم من ركود عميق فقط، بل أيضاً أعوام من الضعف، لكن حتى يتمكن صانعو السياسة من مواجهة تهديد «كوفيد الاقتصادى طويل الأمد»، سيتعين عليهم تجنب تكرار خطأ سحب الدعم فى وقت مبكر جداً، كما فعلوا بعد الأزمة المالية العالمية فى عام 2008.
وأكد المحلل الاقتصادى مارتن وولف، فى مقال نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أنَّ هذه المخاطر حقيقية، حتى لو بقى الكثير من عدم اليقين بشأن الكيفية التى ستنكشف بها الأزمة، وبشأن الوقت الذى يمكن خلاله السيطرة على كوفيد-19.
ومع ذلك، يدرك العالم بالفعل أشياء كثيرة عن الآثار الاقتصادية للوباء، فقد تسبب فى ركود عالمى هائل، وكانت تكاليفه الاقتصادية أكبر بالنسبة للأمهات العاملات والشباب وغير المهرة والأقليات، كما أنه تسبب فى إعاقة التعليم بشكل كبير. ويدرك العالم، أيضاً، أن الدخل الخاص بنحو 90 مليون شخص يمكن أن ينخفض إلى ما دون 1.90 دولار فى اليوم هذا العام، كما قال صندوق النقد الدولى.
وقد تضررت العديد من الشركات؛ حيث انهار الطلب على إنتاجها أو أغلقت تلك الشركات أبوابها، ويمكن أن يزداد الوضع سوءاً فى ظل اصطدام موجة الوباء الثانية الآن بالعديد من الاقتصادات.
وأوضح تقرير الاستقرار المالى العالمى الصادر عن صندوق النقد الدولى، أنَّ الهشاشة المالية تتزايد فى القطاعات المثقلة بالديون والمتواجدة فى الاقتصادات ذات الدخل المرتفع، وكذلك فى الدول الناشئة والنامية.
وكان يمكن للأمور أن تكون أسوأ بكثير، لكن الاقتصاد العالمى استفاد من الدعم غير العادى المقدم من البنوك المركزية والحكومات، فقد وصل الدعم المالى – وفقاً لمراقب المالية العامة التابع لصندوق النقد الدولى – إلى 11.7 تريليون دولار، أو ما يقرب من 12% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، اعتباراً من 11 سبتمبر 2020، وهو ما يعتبر أكثر بكثير من الدعم المقدم بعد الأزمة المالية العالمية.
ومع ذلك، من المؤكد أنَّ ما حدث بالفعل سيترك ندوباً عميقة، وكلما طالت فترة الوباء، كلما زادت تلك الندوب.
ويتوقع صندوق النقد الدولى بالفعل حدوث عجز كبير فى النشاط الاقتصادى نسبة إلى الإمكانات فى عام 2022-2023، ومن المؤكد أن هذا الأمر سيُبقى الاستثمارات الخاصة عند مستوى منخفض.
ولا غرابة فى توقع صندوق النقد الآن أيضاً نمواً أقل بكثير للناتج المحلى الإجمالى الحقيقى للفرد بين عامى 2019 و2025 مقارنة بما توقعه فى يناير الماضى.
وذكر «وولف»، أن السياسة المالية يجب أن تلعب دوراً مركزياً؛ حيث يمكنها وحدها توفير الدعم المستهدف الضرورى، وكان محافظو البنوك المركزية واضحين بشأن هذا الأمر.
وبشكل عام، يقسم مراقب المالية العامة بشكل مفيد الدعم المطلوب إلى ثلاث مراحل، وهى: الإغلاق، وإعادة الفتح التدريجى، وانتعاش ما بعد الوباء.
وبالنظر إلى مرحلة الإغلاق، يجب أن يقع العبء على التحويلات النقدية وإعانات البطالة ودعم العمل لفترات زمنية قصيرة والتأجيل المؤقت للضرائب ومدفوعات الضمان الاجتماعى ودعم السيولة للشركات.
أما أثناء مرحلة إعادة الفتح التدريجى، فلا بد أن يكون الدعم أكثر استهدافاً، مع تركيز الحوافز على إعادة الأشخاص إلى العمل، كما أنه يجب وضع خطط لزيادة الاستثمار العام، ويجب أن يركز دعم الشركات، أيضاً، على أولئك الذين لديهم آفاق جيدة، لكن مع وجود ضوابط على توزيعات الأرباح وأجور التنفيذيين.
وفيما يخص مرحلة فترة ما بعد (كوفيد)، يبدو أن أنظمة الحماية الاجتماعية، التى أظهر الوباء أنها معيبة، ستحتاج إلى إصلاح، كما أنه يجب أن يتحول الاهتمام، فى الوقت نفسه، نحو سياسات سوق العمل النشطة وتعزيز الاستثمار العام، وستكون هناك حاجة أيضاً إلى آليات لتسريع إعادة هيكلة الديون.
وأوضح المحلل وولف، أنَّ تصحيح كل تلك الأمور سيكون صعباً، خاصة أن توقيت التحولات بين مراحل الوباء المختلفة غير مؤكد وربما لا يكون فى اتجاه واحد، لذا يتعين على صانعى السياسات اتباع نهج مرن.
ويمكن أن يؤدى كل هذا الإنفاق إلى زيادة مستوى العجز فى المالية العامة والديون بشكل كبير، فمن المتوقع أن يصل العجز المالى للحكومة العامة العالمية إلى 12.7% من الناتج المحلى الإجمالى هذا العام، وربما يصل إلى 14.4% فى الاقتصادات مرتفعة الدخل.
ومن المتوقع ارتفاع النسبة العالمية للدين الحكومى العام من 83% إلى 100% من الناتج المحلى الإجمالى بين عامى 2019 و2022، مع ارتفاع النسبة فى الدول ذات الدخل المرتفع من 105% إلى 126%.
وبشكل عام، تقف أسعار الفائدة الحقيقية على الاقتراض طويل الأجل عند صفر أو أقل بالنسبة للدول ذات الدخل المرتفع، كما أن البنوك المركزية ملتزمة بالحفاظ على سياسات نقدية سهلة للغاية.
ويمكن للحكومات تحمل الإنفاق، لكن ما لا يستطيعون تحمله هو عدم القيام بذلك، تاركين الاقتصادات تتعثر، فضلاً عن شعور الأفراد بالتخلى عنهم وتفاقم الندوب الاقتصادية ووقوع الاقتصادات فى حالة نمو منخفض بشكل دائم، لذا يجب على الحكومات الإنفاق، لكن بمرور الوقت يجب عليهم تحويل تركيزهم من الإنقاذ إلى النمو المستدام.
ويجب التصدى لـ«كوفيد الاقتصادى طويل الأمد»، وهو أمر لا يعنى التخلى عن الجهود المبذولة للسيطرة على الوباء، بل العكس، لكنه سيتطلب سياسة اقتصادية نشطة وجريئة لسنوات قادمة، وفى ظل ذلك، يجب عدم الشعور بالقلق بشأن تكلفة ذلك الأمر، بل القلق بشكل أكثر بكثير تجاه ما سينجم عن عدم القيام بذلك.