لطالما كانت سلطنة عمان، الواقعة بين السعودية وإيران، دولة محايدة، ما جعلها تكتسب سمعتها باعتبارها سويسرا الشرق الأوسط، لكن قدرة الدولة الخليجية على الابتعاد عن صراعات القوى الإقليمية أصبحت مهددة؛ بسبب المشاكل الاقتصادية التى تفاقمت؛ بسبب تفشى جائحة كورونا، وتراجع أسعار البترول.
ويتوقع صندوق النقد الدولى انكماش اقتصاد البلاد بنسبة 10% هذا العام، وهى نسبة أقل بكثير من المتوسط المتوقع فى منطقة الشرق الأوسط.
وتعتبر هذه الأزمة بمثابة بداية قاسية بالنسبة للسلطان هيثم بن طارق آل سعيد، الذى تولى مقاليد الحكم بداية العام الجارى؛ حيث يتعين على وزير الثقافة السابق، صاحب الـ65 عاماً، أن يقرر ما إذا كان سيلجأ إلى الجيران الأكثر ثراءً لإنقاذ بلاده أو محاولة موازنة حساباته عبر وسائل أخرى مع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعى، وذلك فى الوقت الذى يواجه فيه عجزاً متضخماً فى الموازنة وديوناً متزايدة.
وإذا تسبب الوضع الاقتصادى المتدهور لعُمان فى إجبار آل سعيد على اللجوء إلى الخيار الأول، فإنه يهدد بإيقاع عمان فى صراعات سامة وتقويض قدرة مسقط على لعب دور الوسيط الإقليمى، وذلك وفقاً لما أوضحته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
وقال جون سفاكياناكيس، الباحث فى جامعة كامبريدج: «بالنظر إلى العبء المالى، سيتعين على عمان اللجوء إلى جيرانها الخليجيين للحصول على دعم مالى مباشر أو غير مباشر، لكن هذا يمثل معضلة، فحصول عمان على أموال من الإمارات قد يعرض حياديتها للخطر؛ لأنه سيجعلها أقرب إلى تحالف أبوظبى والرياض، والأمر نفسه ينطبق على قطر».
ومن المتوقع أن يصل عجز موازنة سلطنة عمان إلى 20% من الناتج المحلى الإجمالى هذا العام بعد تراجع الإيرادات.
وفى ظل امتلاكها موارد هيدروكربونية متواضعة، تمتلك عمان ما يقرب من 16 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبى و16 مليار دولار أخرى من الأصول الخارجية المتاحة بسهولة، لكن العجز المالى والسندات العالمية المستحقة تصل إلى أكثر من 13 مليار دولار فى السنة خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
وأوضحت «فاينانشيال تايمز»، أنَّ سلطنة عمان، التى اقترضت 2 مليار دولار من البنوك العالمية فى أغسطس، ستحتاج إلى السحب من الودائع المحلية، بما فى ذلك صندوق الثروة السيادية، وبيع الأصول واللجوء إلى مزيد من القروض، وذلك من أجل استقرار الموازنة، كما أنها تدرس العودة إلى أسواق السندات لجمع ما يتراوح بين 2 مليار و4 مليارات دولار.
تجدر الإشارة إلى أن دول الخليج الأكثر ثراءً قدمت حزمة بقيمة 10 مليارات دولار لصالح البحرين فى العام الماضى، بعد أن فشلت فى جمع المزيد من سوق ديون الأسواق الدولية.
وقال مسئول غربى، إنَّ هناك محادثات تجرى حتى الآن حول إمكانية ضخ استثمارات إماراتية فى المشاريع العمانية، دون إجراء أى وديعة مالية، لكنَّ هناك شكوكاً عميقة بشأن نوايا الإمارات، وقد ترفض القيادة الشروط المسبقة للدعم الذى قد يقوض استقلال مسقط الثمين.
ويقول مصرفيون، أيضاً، إنَّ هناك محادثات سرية مع قطر بشأن المساعدة المالية؛ حيث تحرص الدوحة على سداد أموال عمان مقابل الحصول على دعم لوجستى.
وأياً كانت الدولة التى ستقدم مساعدات لعُمان، ستختبر الأزمة الاقتصادية الدعم الشعبى للسلطان الجديد، الذى ترك بصماته بالفعل من خلال تجديد شامل للبيروقراطية، فقد خفَّض الإنفاق العام بنسبة 8% فى النصف الأول من العام الجارى، وخفض أيضاً الإنفاق على المشاريع الكبيرة والدفاع، مع الحفاظ على فاتورة رواتب القطاع العام الضخمة فى السلطنة، كما أعلنت الحكومة مؤخراً عن خطط لفرض ضريبة مبيعات بنسبة 5% فى العام المقبل.