هل يمكنك تحديد ما الذى تصفه العبارات التالية: عملة غير محبوبة على نطاق واسع فى جميع أنحاء العالم وربما تخلى عنها بعض المؤيدين من قبل لو كان هناك بدائل مقنعة كما أنها واجهت 6 أشهر صعبة… إنه الدولار الأمريكى الذى يعتبر أكثر العملات الرئيسية المكروهة.
الغريب فى الأمر هو تلقى تلك العملة دفعة كبيرة إثر نتيجة الانتخابات الأمريكية الفوضوية، أو ربما هذا الأمر ليس غريباً.
ذكرت مجلة «ذى إيكونوميست» البريطانية، أن مرونة الدولار كانت واحدة من أكثر الأشكال رتابة فى الأسواق المالية فى الأعوام الأخيرة، إذ تقترن قوة العملة بموضوع آخر شديد الصعوبة، وهو الثقل المتزايد للشركات الأمريكية، خاصة عمالقة التكنولوجيا، فى أسواق الأسهم العالمية.
ويعتبر الدولار عملة مهمة بالنسبة للولايات المتحدة، لكنها مهمة أيضاً بالنسبة لكل مكان آخر، وقد يؤدى ضعف تلك العملة إلى مواجهة بقية اقتصادات العالم وأسواق الأصول لفترة من اللحاق بالركب، ويبدو أن هذا الاحتمال قد تأخر.
وأوضحت المجلة، أن الشكوك المتزايدة بشأن التحفيز المالى فى الولايات المتحدة أحد أسباب مرونة العملة الخضراء، فقد كان من المفترض أن تكون الانتخابات الرئاسية بداية حقبة جديدة من السخاء المالى، لكن يبدو أن فكرة الاتفاق على أى نوع من أنواع السياسات يعتبر أمراً صعباً الآن.
ومع ذلك، لا تتوقف قوة الدولار الأمريكى على السياسة فقط، بل إن الأمر يتعلق بالعواقب الاقتصادية لتفشى جائحة فيروس كورونا المستجد بقدر ما يتعلق أيضاً بالآمال الخائبة تجاه انتخابات الموجة الزرقاء.
فقبل الانتخابات الرئاسية، سادت فكرة، يدعمها منظمو استطلاعات الرأى والمتنبئون بالانتخابات، تدور حول أن اكتساح الحزب الديمقراطى للبيت الأبيض والكونجرس كان أمراً مرجحاً للغاية، وبالتالى ستكون النتيجة ضعف الدولار الأمريكى.
فى عام 2016، أدت احتمالية مماثلة للتيسير المالى إلى ارتفاع الدولار وليس انخفاضه، لكن الفرق هنا يكمن فى أنه قبل 4 أعوام، كان من المتوقع أن يقوم البنك الاحتياطى الفيدرالى بتعويض الأثر التحفيزى للتخفيضات الضريبية من خلال رفع أسعار الفائدة لاحتواء التضخم، وبالتالى دعم الدولار، لكن مع ضعف الاقتصاد الآن، ألزم الاحتياطى الفيدرالى نفسه بالمال السهل، وقد تكون حزمة التحفيز المالى بمثابة حافز غير عائق لتجميع الطلب، مما يؤدى إلى زيادة الواردات وزيادة العجز التجارى وضعف الدولار.
ومن المؤكد أن الدولار الأمريكى ضعيف القيمة سيساعد بدوره بقية العالم، ويرجع ذلك جزئياً إلى دوره كعملة مقترضة خارج شواطئ الولايات المتحدة، فالكثير من شركات وحكومات الأسواق الناشئة تمتلك ديوناً مقومة بالدولار، لذا فإن ضعف العملة الأمريكية يعمل كحافز غير مباشر للنمو العالمى.
وبدلاً من ذلك، ارتفعت قيمة الدولار إلى حد ما، وذلك لأن الدولار مميز بطريقة أخرى، وتعتبر الأصول المقومة بالدولار، خاصة الأسهم، أكثر قيمة عندما تبدو التوقعات أقل تأكيدا، حيث يتشبث حاملو الدولار بالعملة لفترة زمنية أطول، بدلاً من مبادلتها بعملات أخرى، كما ينطبق هذا الأمر على المدخرين الأثرياء فى الاقتصادات الناشئة أو المصدرين فى الصين أو كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، الذين استطاعوا جنى الدولارات من المبيعات.
وفى الوقت نفسه، ينطبق الأمر أيضاً على المؤسسات الاستثمارية داخل البلاد، الذين ربما فكروا فى صرف بعض أسهمهم التكنولوجية الأمريكية باهظة الثمن مقابل رهان على الأسهم الدورية رخيصة المظهر فى أوروبا أو آسيا.
وتعتبر عودة ظهور عدوى كوفيد-19 أمر آخر، حيث يقع جزء كبير من أوروبا الآن فى حالة من الإغلاق الميسر، إذ يفقد اقتصادها قوته، وبالمثل تنحسر جاذبية الأسهم الدورية، وبدلاً من ذلك عاد المستثمرون إلى شركات التكنولوجيا، التى تستفيد من فكرة اقتصاد المكوث فى المنزل.
وحتى دون وجود مجلس شيوخ صديق يدعم خطط زيادة الإنفاق الفيدرالى، فمن المحتمل أن يكون لدى بايدن سياسة تجارية أقل عدوانية وتعسفية من دونالد ترامب، كما أن الأخبار السارة التى تدور حول اللقاح المضاد لكورونا يمكن أن تؤدى إلى إحياء شهية المستثمرين الأمريكيين لشراء الأصول الرخيصة فى الخارج.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أنه لايزال من المرجح أن تنخفض قيمة الدولار بشكل أكثر، لكن من المؤكد أن الحوافر المالية لن تبقى خارج جدول الأعمال إلى الأبد مهما كانت التركيبة السياسية الأمريكية، فالشعبوية تقع بالكاد فى حالة تراجع، فضلاً عن أن عائدات السندات منخفضة بشكل لا يصدق.
وفى ظل هذه الظروف لن يكون من الحكمة الاعتقاد بأن السياسيين سيتخلون عن إغراءات الإنفاق الممول بالعجز أو التخفيضات الضريبية لفترة طويلة للغاية.
وخلال النصف عقد الماضى، استمدت العملة الخضراء قوتها من حقيقة أن أسعار الفائدة قصيرة الأجل فى الولايات المتحدة كانت أعلى من تلك المتواجدة فى أوروبا الغربية واليابان، لكن أحد الأشياء القليلة التى يمكن أن يتفق عليها الجميع هو أن هذه الميزة قد انتهت بشكل كبير.