مدخرات صندوق الطوارئ ترتفع إلى 172 مليار دولار
خلال فترة ولايته التى تزيد على عقد من الزمان كوزير للمالية، أصبح أليكسي كودرين أكثر الاقتصاديين ثقة في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال الحفاظ على سيطرته على الإنفاق وإبقاء مئات المليارات من الدولارات في صندوق يوم ممطر، الذي ساعد بدوره “الكرملين” على مواجهة الأزمات الاقتصادية بكل ثقة، لكن المحافظ المالي يقول إن روسيا بحاجة إلى إنفاق المزيد الآن.
لكن الكرملين كان يصم أذنه، رغم الارتفاع بنسبة 40% في قيمة الصندوق الوطني للرفاهية في روسيا هذا العام، إذ يرفض بوتين المخاطرة باستنزاف مدخراته الآن، حتى لو كان ذلك يعني تضور الاقتصاد جوعاً أثناء فترة تفشي الوباء، وذلك لأن الكرملين يبحث عن مزيد من الأموال حتى بعد مرور أكثر من 5 أعوام من التوترات المتصاعدة مع الولايات المتحدة وأوروبا، بما فى ذلك جولات لا حصر لها من العقوبات.
وفي هذا الصدد، قال كودرين، الذي كان وزيراً للمالية حتى عام 2011 ويرأس الآن هيئة الرقابة والتفتيش الروسية، في مقابلة: “لقد أنشأ الصندوق لجمع عائدات أسعار البترول المرتفعة، بحيث يمكن استخدامها في الأوقات الصعبة، والوباء يعد تماماً واحداً من المواقف التي تستدعي الإنفاق من تلك الأموال”.
وأوضحت مجلة “بلومبرج بزنس ويك” الأمريكية التابعة لوكالة أنباء “بلومبرج”، أن بوتين قضى معظم العقد الأول من حكمه في سداد ديون روسيا الخارجية، ويرجع السبب في ذلك بشكل جزئي لمنع الدائنين من استخدام تلك الديون لفرض أي ضغط سياسي على الكرملين، لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي استخداما مؤخراً العقوبات لتقييد اقتراض الحكومة والشركات الحكومية.
وتجنبت روسيا أسوأ ركود يمكن مواجهته بعد تفشي فيروس كورونا، وذلك بفضل اعتماد الاقتصاد على صادرات السلع، مثل البترول والغاز والصلب والفحم، والتي لم ترتبط بإغلاق المدن، لكن التكلفة الاقتصادية لسياسة بوتين الخارجية أصبحت أكثر وضوحاً يوماً بعد يوم مع تراجع الحكومة عن الإنفاق.
كانت الحكومة الروسية تتباهي بوصول التحفيز المالي للعام الحالي إلى نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن كودرين وخبراء الاقتصاد الآخرين يقولون إن هذا الرقم أقرب إلى 3%، مما يجعل روسيا واحدة من أكثر الاقتصادات الرئيسية اقتصاداً فى النفقات المتعلقة بالوباء.
وأوضحت المجلة الأمريكية، أن الكثير من الإنفاق قد تم تمويله عبر الاقتراض من البنوك المحلية، حتى في الوقت الذي أدى فيه انخفاض قيمة الروبل الروسي إلى تعزيز عائدات التصدير، ونتيجة لذلك، ارتفعت المدخرات في صندوق يوم ممطر التابع للحكومة إلى 172 مليار دولار، كما أن الحكومة تخطط لخفض الاقتراض في عام 2021 لتشديد الموازنة، التي انتقلت إلى حالة عجز بعد التمتع بفائض دام لـ3 أعوام.
وعلى النقيض من ذلك، كان الروس العاديين بحاجة للبحث بعمق في المدخرات للبقاء على قيد الحياة طوال فترة الإغلاق التي دامت لـ6 أسابيع، والتي انتهت في منتصف مايو الماضي.
وبحلول ذلك الوقت، لم يكن لدى نصف الأسر تقريباً أى مدخرات أو ما يكفي لتغطية النفقات لمدة 4 أسابيع، وفقاً لدراسة استطلاعية أجراها مركز موسكو للأبحاث الاستراتيجية.
وقال كبير الاقتصاديين السابق في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، سيرجي جورييف، إن روسيا تعد الآن واحدة من الاقتصادات الرئيسية الوحيدة التي تتبع سياسة التقشف، ولكنها تتبع هذه السياسات لأسباب خاطئة.
فقد انخفض الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم كحصة من إجمالي الإنفاق العام في الأعوام الـ3 السابقة للوباء، وعانت مشاريع البنية التحتية الكبرى من نقص التمويل، خاصة في المناطق البعيدة عن موسكو، فضلاً عن أن سكان ياقوتيا، الواقعة في أقصى شمال شرق البلاد، ينتظرون منذ 30 عاماً الجسر الذي وعد الكرملين ببنائه فوق ثالث أكبر نهر في روسيا، لكن الأموال التي كانت مخصصة لهذا الجسر قد انتهى بها المطاف لتمويل جسر بقيمة 3.5 مليار دولار إلى شبه جزيرة القرم انتهى تشييده قبل عامين.
بدأ بوتين العام الحالي بوعد بإعادة جزء من الأموال التي تم الاحتفاظ بها، من خلال إنفاق حوالي 27 مليار دولار على مشاريع البنية التحتية والمزايا للفقراء، ثم جاء الوباء ليساهم في توجيه بعض هذه الأموال لدعم الصناعات المتضررة من عمليات الإغلاق.