ازدادت حالة عدم المساواة خلال العقود الماضية، في الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة على حدٍ سواء، وفاقم الوباء التفاوت بين الأغنياء والفقراء وزاد الوعي بهذا التفاوت.
ومعروف أن السياسات المالية والإصلاحات الهيكلية، لطالما كانت تقلص عدم المساواة. ولكن ما الدور الذي يمكن أن تلعبه البنوك المركزية؟
وفي بحث جديد أجراه الباحثون في صندوق النقد الدولي، وجدنا حجة تدعم أخذ المصرفيين المركزيين لعدم المساواة في اعتبارهم عند وضع السياسة النقدية.
منظور جديد للسياسة النقدية
أصبح الأكاديميون والبنوك المركزية الرئيسية، يتقبلون فكرة أن الثروة وعدم المساواة في الدخل يؤثران على فاعلية السياسة النقدية؛ لأن الفقراء الذين يعانون عادة من نقص السيولة مقارنة بالأغنياء، يُزيدون استهلاكهم أكثر مع ارتفاع دخولهم حال انخفاض أسعار الفائدة.
وبالتالي فإن خفض الفائدة يعزز الاستهلاك الكلي أكثر في الاقتصاد الذي تعد النسبة الأكبر من سكانه فقراء.. يعد ذلك دليلاً على أن السياسة النقدية نفسها يمكن أن تؤثر على عدم المساواة.
ويتساءل بحثنا إذا كانت عدم المساواة يمكن أن تؤثر على الطريقة التي توضع بها السياسة النقدية في اقتصاد تدفع فيه الابتكارات التكنولوجية الدورات التجارية؟
وفي هذه البيئة يمتلك الشخص الثري – ولنطلق عليه “R” – جميع رأس المال، وبالتالي يتكون دخل “R” من الأجر وتوزيعات الأرباح بعد الضريبة.
وعلى النقيض يتلقى الشخص الفقير – ولنطلق عليه “P” – الأجر فقط وتحويلاً من الحكومة ممولاً من ضريبة توزيعات الأرباح.
وفي هذا النموذج، ترتفع الأرباح والدخل الرأسمالي استجابة لصدمات الإنتاجية الإيجابية مما يعزز عدم المساواة.
وعلاوة على ذلك، تكون الأجور متحيزة للتكنولوجيا، وعندما ترتفع الإنتاجية، تزداد حصة “R” من إجمالي دخل الأجور، في حين تنخفض حصة “P”.
وتتوافق هذه الآليات مع بيانات الاقتصاد الجزئي والكلي في الولايات المتحدة، وتتماشى مع تأثيرات الصدمات التكنولوجية على عدم المساواة في الاستهلاك.
ونحن ندرس التداعيات على السياسة النقدية في سيناريوهين، الأول، يختار فيه البنك المركزي أفضل مسار ممكن لأسعار الفائدة وفقاً لجميع البيانات المتاحة لديه ومع مراعاة جميع الأفراد بشكل متساوٍ.
وهذا السيناريو يطلق عليه “السياسة المثلى”.
وفي السيناريو الثاني، يضع البنك المركزي السياسة النقدية وفقاً لما يطلق عليه “قاعدة تايلور” التي تحدد سعر الفائدة استناداً إلى ما إذا كان التضخم والناتج منحرفين عن المستويات المرغوبة أم لا؟
وهذا السيناريو الثاني مفيد لأنه أقرب إلى ما تفعله البنوك المركزية فعلياً.
وفي دراستنا، تعرّف عدم المساواة كالفارق في الاستهلاك بين الأغنياء والفقراء.
التداعيات على السياسة النقدية
في السيناريو الأول، نجد أن البنك المركزي يجب أن يعطي بعض الثقل لعدم المساواة الملحوظة في الاستهلاك، وهو ما يعني ان البنك المركزي سيستخدم السياسة النقدية من خلال خفض أسعار الفائدة، بما يحفز النمو والأجور، وبالتالي يقلص عدم المساواة في الاستهلاك.
وفي الوقت نفسه يسمح للتضخم بالصعود فوق المستوى المستهدف.
ومع ذلك، نجد أن هذا الثقل يكون صغيراً بشكل عام.. وبالتالي فإن الناتج والتضخم لن يختلفا عما كان سيصبحان عليه إذا تجاهل البنك عدم المساواة.
ومن المثير للاهتمام أن البنك المركزي الذي يطبق “السياسة المثلى” يهتم أقل بالتضخم وأكثر بالنمو عندما يرتفع المستوى الأولي لعدم المساواة، لأنه عندما يرتفع مستوى التفاوت، سيحاول البنك المركزي جاهداً تعديل أسعار الفائدة لتحقيق الاستقرار في الأجور وحماية استهلاك الفقراء، وبالتالي، فإن استقرار الأجور وبالتالي عدم المساواة يتزامن مع استقرار النمو.
وفي البيئة الثانية، يتبع البنك المركزى “قاعدة تايلور” المعززة التي تستهدف أيضاً عدم المساواة في الاستهلاك، بحيث يتم خفض الفائدة بعد صدمات الإنتاجية الإيجابية دون المستوى الذي تنص عليه “قاعدة تايلور” القياسية التي تستهدف الإنتاج والتضخم فقط.
وتؤدي سياسة أسعار الفائدة المنخفضة إلى ارتفاع الأجور، ما يعود بالفائدة على الفقراء.
وإلى جانب خفض عدم المساواة، فإن هذه السياسة مفيدة أيضاً بشكل عام لأنها تحسن نتائج التضخم والنمو من خلال تجنب التشديد المفرط لسعر الفائدة استجابة لصدمة الإنتاجية الإيجابية.
وتشير هذه النتائج إلى أن الرفاه يمكن تحسينها إذا اتخذت البنوك المركزية عدم المساواة في اعتبارها عند وضع السياسة النقدية، خصوصاً إذا اتبعت قواعد أسعار الفائدة النموذجية، وبالطبع فإنَّ نتائجنا قائمة على نماذج محددة، ولكن يمكن إضافة بعض الخصائص لها، على سبيل المثال، من خلال إضافة أنواع مختلفة من العمالة وبالتالي أجور مختلفة أو مجموعة أكبر من الأصول، وتدعم النتائج الحاجة للمزيد من العمل النظري والعملي على الأمر.
بقلم: نيلز جاكوب هانسن، وأليساندرو لين، وريو سي مانو، المحللين في صندوق النقد الدولي.
المصدر: مدونة صندوق النقد الدولى