الانتخابات الأمريكية وأخبار الوباء تجددان شهية المستثمرين للمخاطرة
مؤشر «إم إس سى آى» يرتفع فوق النصف من أدنى مستوى وصل إليه فى مارس
لاحظ واحد من مسئولى الاقتصاد فى الهند، ذات مرة، أن اقتصاد بلاده يعمل بشكل أفضل عندما يكون أداء بقية دول العالم جيداً، ولكن ليس بشكل جيد للغاية.
فصادرات الهند عادة ما تستفيد من النمو العالمى.. لكن عندما يكتسب الاقتصاد العالمى الكثير من الزخم، يمكن أن ترتفع أسعار الفائدة وأسعار البترول بشكل غير مريح، ما يؤثر سلباً على الدولة التى تعتبر مستورداً صافياً لكل من رأس المال والبترول.
وردت تلك الملاحظة إلى الذهن عندما ارتفاع سوق الأسهم فى الهند إلى مستوى قياسى فى 10 نوفمبر الماضى، بعد الأنباء التى انتشرت عن تطوير شركتى «فايزر» و«بيوأنتك» لقاحاً مضاداً لفيروس كورونا المميت، والذى أثبت أنه أكثر فعالية مما كان متوقعاً.
لكن هذا اللقاح سيحتاج إلى شهور قبل أن يصبح متاحاً بشكل واسع النطاق حتى فى الدول المجهزة للتعامل معه.
وكانت الانتخابات الأمريكية تشكل حافزاً آخر بالنسبة لسوق الأوراق المالية فى الهند وبالنسبة لأسهم الأسواق الناشئة بشكل عام، فعندما ظهرت نتيجة الانتخابات ساهمت فى التخلص من واحد من مصادر عدم اليقين المتبقية، ما أفسح المجال أمام المستثمرين لأنواع أخرى من المخاطر، وفقاً لما ذكرته مجلة «ذى إيكونوميست» البريطانية.
وساعدت الرغبة المتجددة فى المخاطرة على رفع مؤشر الأسهم «إم. إس. سى. أى» للأسواق الناشئة بنسبة تزيد على 6% فى الفترة بين 3 و9 نوفمبر، وقد ارتفع الآن هذا المؤشر بأكثر من النصف من أدنى نقطة له فى مارس الماضى.
ورغم أن «وول ستريت» كانت تسجل أرقاماً قياسية، فإنَّ مؤشر الأسواق الناشئة لا يزال بعيداً عن أعلى مستوى له على الإطلاق فى عام 2007 أو حتى ذروته فى عام 2018.
وفى الواقع استطاعت أسهم الأسواق الناشئة تحقيق تقدم ضئيل على مدار العقد الماضى، فالمكاسب الكبيرة فى أعوام 2012 و2016-2017 و2019 قابلتها انخفاضات مذهلة فى السنوات اللاحقة، وبشكل عام ارتفع المؤشر بنسبة 3% فقط عما كان عليه قبل 10 أعوام.
ومع ذلك، فإنَّ هذا الأداء الضعيف يترك أسهم الأسواق الناشئة تبدو ذات قيمة أفضل بكثير من نظيراتها فى العالم الغنى.
وذكرت مؤسسة «أكسفورد إيكونوميكس» الاستشارية، أن نسبة السعر إلى الأرباح، المعدلة وفقاً للدورة الخاصة بالأسواق الناشئة تكمن فى النصف السفلى من توزيعها التاريخى، فى حين على النقيض من ذلك، تعتبر النسبة الخاصة بالولايات المتحدة أعلى من 98%.
وتبدو فجوة التقييم أكثر وضوحاً عند مقارنتها بآفاق النمو الفورى، إذ تتوقع وحدة «ذى إيكونوميست إنتليجنس»، وهى شركة شقيقة لمجلة «ذى إيكونوميست»، انكماش الناتج المحلى الإجمالى للأسواق الناشئة، المرجح لرسملة سوق الأسهم، بنسبة تقل عن 2% خلال العام الجارى، ثم تسجل نمواً بنحو 5% فى عام 2021.
وتقدم الولايات المتحدة أداء أفضل من معظم دول العالم الغنى، لكن حتى على الرغم من ذلك، سيستمر اقتصادها فى التراجع بنسبة 4.6% فى عام 2020، ثم النمو بنسبة تقل عن 4% فى عام 2021.
وبعض الدول الأعضاء فى مؤشر «إم. إس. سى. أى»، منها الصين وتايوان، تعاملت مع الوباء جيداً، ما سمح بالعودة المبكرة إلى النمو، بينما تعاملت دول أخرى، مثل الهند، مع الأمر بشكل سيئ، ولكن من غير المرجح أن ينقطع النمو الاقتصادى بفعل تجربة أخرى من عمليات الإغلاق، خاصة أن المحاولات الأولى الخاصة بالإغلاق كانت غير فعالة إلى حد كبير.
ولم تمر هذه التناقضات دون أن يلحظها أحد، بل إنَّ بعض الاستراتيجيين يعتقدون أن أسهم الأسواق الناشئة غير المرغوب فيها ربما تستفيد من هذا النوع من التناوب، الذى دفع المستثمرين فى الأيام القليلة الماضية إلى الخروج من أسهم النمو باهظة الثمن، مثل التكنولوجيا، والتوجه إلى أسهم القيمة، والتى تعتبر إيراداتها أكثر ارتباطا بحالة الاقتصاد.
ويعتقد الاستراتيجيون أيضا أن الأسواق الناشئة المحاصرة بشكل أكبر ربما تستفيد من التناوب، فعلى سبيل المثال، يوصى جون لوماكس، من «أتش. أس. بى. سى»، بزيادة حيازات دول مثل البرازيل وجنوب أفريقيا- تلك الدول التى لا تزال حيازاتها منخفضة بشكل كبير خلال العام- على حساب الدول الآسيوية، مثل تايوان.
ومع ذلك، يمكن تسعير أصول الأسواق الناشئة، مثل أسهم القيمة، ولكن من ناحية أخرى مهمة- حساسيتها تجاه عائدات السندات- فإنها تشبه إلى حد كبير أسهم النمو، فعندما ترتفع أسعار الفائدة وعوائد السندات، يصبح المستثمرون أقل استعداداً لتحمل المخاطر أو انتظار الأرباح المستقبلية، ما يضر بنمو الأسهم والأسواق الناشئة على حد سواء.
ويمكن وضع السيناريو التالى بعين الاعتبار، وهو الموافقة على لقاح «فايزر»، ولكن نظراً إلى ضرورة تخزينه فى درجات الحرارة المتجمدة، فإنه لن يصل أبداً إلى الأسواق الناشئة، مثل الهند، التى تفتقر إلى سلاسل التبريد اللازمة لتوزيع اللقاح بأمان، لذلك قد يحفز هذا اللقاح انتعاشاً غير متكافئ بقيادة الدول الغنية.
ويمكن أن يؤدى هذا الانتعاش إلى زيادة الضغط على عائدات السندات، فقد ساهمت أخبار «فايزر» فقط فى رفع عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 أعوام إلى ما يقرب من 1% فى 9 نوفمبر الجارى، كما أن تشديد الأوضاع المالية العالمية قد يضر الاقتصادات الناشئة بشكل أكثر مما يساعدها التحسن فى نمو العالم الغنى، ويمكن أن يكون أداؤها سيئاً، إذا كان أداء بقية العالم جيداً.