أعلنت الحكومة البريطانية، الأسبوع الحالى، عن قواعد جديدة مصممة لحماية أفضل وألمع الشركات فى البلاد من التعرض لعمليات استحواذ خارجية على أيدى دول أخرى يحتمل أن تكون معادية.
ومع ذلك، يتساءل البعض عما إذا كانت القواعد، التى قضت البلاد أعواماً لإقرارها وتُطبق اعتباراً من بعد غدٍ الأربعاء، قليلة جداً ومتأخرة جداً؛ نظراً إلى بيع اثنتين من أكثر الشركات البريطانية ابتكاراً بالفعل لشركات أجنبية.
فقد اشترى عملاق التكنولوجيا اليابانى «سوفت بنك» صانع الرقائق «إيه. آر. إم»، ومقره كامبريدج، فى 2016، كما أن شركة «جوجل» اشترت شركة الذكاء الاصطناعى «ديب مايند»، ومقرها لندن، فى 2014.
وقال الرئيس التنفيذى لصانع الشركات الناشئة «إنتربرنيور فيرست»، مات كليفورد، فى تصريحات لشبكة «سى. إن. بى. سى» الإخبارية، إنه كان يتعين على الحكومة التدخل على الأرجح فى هذه الصفقات؛ حيث تعتبر التكنولوجيا قضية أمن قومى كبيرة ومتنامية، مؤكداً أن السيادة التكنولوجية أمر مهم للغاية.
وفى الوقت الذى بيعت فيه شركة «إيه. آر. إم» مقابل 24 مليار جنيه إسترلينى، خضعت «ديب مايند» لعملية بيع مقابل 400 مليون جنيه إسترلينى فقط، وبالتالى فإنَّ هذه الصفقة تعتبر رابحة بالنسبة لشركة «جوجل»، وذلك لأن «ديب مايند» يُنظر إليها على نطاق واسع بأنها أحد رواد العالم فى مجال الذكاء الاصطناعى اليوم.
ويعتقد إيان هوجارث، رائد الأعمال الذى تحول ليصبح مستثمراً تقنياً، أن شركة «ديب مايند» كان يمكن تأميمها على أيدى الحكومة البريطانية؛ حتى لا تضطر إلى بيع نفسها إلى عملاق تكنولوجيا خارجى.
وكتب هوجارث، فى مقال نشر فى يونيو 2018: «أجد صعوبة فى تصديق أن بريطانيا لن تكون فى وضع أفضل إذا ظلت ديب مايند شركة مستقلة»، مضيفاً: «ما القيمة المالية التى ستقدم جوجل على بيع ديب مايند مقابلها اليوم؟ 5 مليارات دولار؟ 10 مليارات دولار؟ 50 مليار دولار؟ من الصعب تخيل قيام جوجل ببيع ديب مايند إلى أمازون أو تينسنت أو فيسبوك بأى ثمن تقريباً».
وأضاف: «هل كان من الأفضل للحكومة البريطانية منع هذا الاستحواذ وإبقاء ديب مايند شركة مستقلة؟ وحتى فى هذه اللحظة، هل هناك قضية يتعين تقديمها لبريطانيا لعكس هذا الاستحواذ وشراء ديب مايند من جوجل وإعادتها ككيان مستقل؟».
وبينما يُنظر إلى «ديب مايند» على أنها شركة رائدة فى مجال الذكاء الاصطناعي، تعتبر «إيه. آر. إم» رائدة فى أشباه الموصلات أو الرقائق؛ حيث تُستخدم الرقائق الموفرة للطاقة فى 95% من الهواتف الذكية فى العالم، ويُنظر إليها على نطاق واسع بأنها جوهرة تاج صناعة التكنولوجيا البريطانية.
وقال جون كروكروفت، أستاذ علوم الكمبيوتر فى جامعة كامبريدج: «فى حالة إيه. آر. إم، لا أدرك لماذا لم يقم بعض المستثمرين هنا بالتفوق على مزايدات الأجانب، خاصة أن الشركة تحقق نجاحاً هائلاً وقابلة للاستمرار على المدى الطويل أيضاً».
ورغم أن «ديب مايند» و«إيه. آر. إم» لم تعودا بريطانيتين فى أعين بعض الناس، فإنَّ هناك عدداً من شركات التكنولوجيا الأخرى سريعة النمو تستحق الحماية، فعلى سبيل المثال شركة الدفاع السيبرانى «دارك تريس» وصانع الرقائق الذكية «جرافكور».
بالإضافة إلى الذكاء الاصطناعى والرقائق، قال كروكروفت، إنَّ بريطانيا لديها شركات طيران وتكنولوجيا حيوية تستحق الحماية أيضاً، مثل «بى. إيه. إى سيستمز».
وأشار البعض إلى أن القواعد الجديدة، التى تعتزم المملكة المتحدة فرضها، يمكن أن تصعب بيع الشركات على المؤسسين والمستثمرين.
لكن كريس سميث، صاحب رأس المال الاستثمارى فى «بلاى فير كابيتال» فى لندن، قال لشبكة «سى. إن. بى. سى»، إنه لا يعتقد أن تلك القواعد ستكون ذات تأثير مادى، مضيفاً: «من المرجح أن يكون النطاق محدوداً إلى حد ما، سواء من حيث عدد الدول المدرجة فى قائمة اللاصفقة والعدد الذى سيلبى الاختبار الاستراتيجى، وفى الواقع، يعكس الأمر ما نعرفه بالفعل، وهو أن هناك عالمين تقنيين، أحدهما فى الغرب والآخر فى الشرق».